التحالف المدني الديمقراطي

المدني الديمقراطي...عشبة الحياة / ئاشتي

في آخر أيام العمر يكون للحلم طعم أخر يشبه طعم ثمرة تين جفت، بعد أن احتسى البلبل بعضا من عصيرها وانتشى به، وما تبقى بها من حلاوة يلتذ به كل منْ يتذوقها بصبر العاشق الولهان. وآخر أيام العمر هو عصارة معاناة معقدة تلبسها الكثير من الإشكالات بدأت منذ اليوم الأول لمعرفة الف باء السياسة وانتهت بامتهان السياسة حرفة. وحرفة السياسة من اعقد الحرف وأشقاها، لأنها تجعل المرء يدخل في عالم يحتمل الكثير من الاحتمالات والتأويلات، وبعد التي واللتيا يتوصل إلى قناعة مفادها أن السياسة لا تشبع من جوع ولا تروي من عطش. هي لعبة يتداولها الذين يستفيدون منها لأنهم يرسمون مخطط مسارها وفق مصالحهم. وقد يبدو هذا الأمر يجانب الخطأ في ما يجري في وطننا، ولكنه يجانب الحقيقة في واقع الأمر، لأن السياسة لم تعد أمراً يرسمه الحكام فقط أو من ْ يملكون زمام التحكم في الوضع الاقتصادي لذلك البلد، رغم قناعتنا أن الاقتصاد هو عصب الحياة ومحركها الأساس، إلا أن على الجميع أن يعرف الآن ان هناك محركاً اساسياً أخر يتجلى بشكل واضح في الاحزاب الحريصة على بناء مجتمع أساسه الديمقراطية، إضافة إلى منظمات مجتمع مدني تسعى من أجل أن تجد لها واحة تستوعب مياه أمطارها الداعية إلى دمقرطة المجتمع العراقي.
في آخر أيام العمر تستريح سفينة الفرح على شاطئ السعادة المرتقبة، وكأن سنوات عمرك التي قضيتها وأنت تحلم بعالم من بنفسج سوف تعلن عن ثمارها قريبا. فلم يبق غير هذا الأمل الذي سوف يبعث الفرح، فقد طفح الكيل بسبب تفشي السرقة والتحايل مثلما غص الناس بفقدان الأمن وانتشار القتل اليومي المنظم، دون أن يحرك حكامنا الذين انتخبهم الشعب ساكنا إزاء كل ذلك. وكأن الأمر قدر على العراقيين تحمله والاستجابة له بإذعان. ولكن السؤال الذي تصعب الإجابة عليه بدقة: هل يتحقق الحلم بمجرد ألتمني أم أن ذلك يتطلب الكثير مما يمكن عمله؟ وربما يتطلب أيضا تقديم ما هو أثمن: الوقت والجهد، لأنه حالة من الصراع المكشوف، صراع يفهمه الآخر على انه خسارة للامتيازات التي حصل عليها.
في آخر أيام العمر تكون عشبة الحياة هي الأنجع والأصلح لهذا العراق الذي ابتلى بالكثير من الحزن، لأن الجد كلكامش سوف ينزل إلى اعماق المياه من اجلها حيث يروى
«نزل إلى أعماق المياه حيث أبصر النبات
فأخذ النبات الذي يخز يديه
وقطع الاحجار الثقيلة من قدميه
فخرج من أعماق البحر إلى الشاطئ
ثم قال كلكامش لـ «أور – شنابي» الملاح
يا «اور – شنابي» أن هذا النبات عجيب
يستطيع المرء أن يستعيد به نشاط الحياة)