ادب وفن

من ذكريات المسرح الأنصاري / محمد الكحط

في أحلك الظروف وأصعبها لم ينس أنصار الحزب الشيوعي العراقي المقاتلون بالسلاح ضد النظام الدكتاتوري المقبور، ممارسة معظم صنوف الثقافة، وكان ربيع سنة 1988 عاصفا حيث شهد أحداثا عصيبة، منها جريمة حلبجة التي هزت مشاعر البشرية كلها، وكانت البداية لجرائم ابشع منها، تمثلت في "عمليات الأنفال" سيئة الصيت.
كنا في موقع خواكورك في اقصى شمال شرق العراق، وكانت هنالك مجموعة من الرفيقات والرفاق الأنصار يغتنمون الفرصة بعيدا عنا، ليتدربوا على عمل مسرحي، متحملين الظروف الصعبة.
كانوا يتدربون على مسرحية "كيف تركت السيف" وهي محاكاة لأبي ذر الغفاري من تأليف ممدوح عدوان، وقام بإخراجها الرفيق علي رفيق (أبو ليث)، وساهم في التمثيل الأنصار، أبو فائز، أبو كاوه، د. مريم، أم ليث، أبو صبا، مصطفى، وأرجو أن لا أكون قد نسيت أحدهم. فكان دور النصير أبو فائز (أبي ذر الغفاري)، وأبو كاوه بدور (عثمان بن عفان)، والدكتورة مريم بدور (التاريخ)، والنصيرة أم ليث بدور (الراوية)، والنصيران أبو صبا ومصطفى بدور (إعرابيان)، وبعد تدريبات مستمرة، تم عرضها ربيع 1988 في إحدى الأمسيات الأنصارية، في قاعة طينية، حيث التحمت أجساد الأنصار وهم يتابعون العرض محبوسي الأنفاس.
كما عرضت في عدة مواقع أنصارية في خواكورك في مقراتنا ومقرات بعض الأحزاب الصديقة، واستغرق عرضها حوالي الساعتين. كان العرض الأول مليئا بالهواجس للممثلين ولنا نحن المشاهدين، فالممثلون معظمهم من الهواة وبعضهم مثل لأول مرة في حياته، لكنهم أبدعوا جميعا في تمثيلهم، لدرجة التأثر حد البكاء، فتساقطت دموعنا رغما عنا، وكان ضمن الحضور آنذاك الرفيق فخري كريم، والذي حاول بعد العرض أن يثني على روعة التمثيل والإخراج ولكن يا للمفاجأة، فهو لم يستطع أن يكمل حديثه فمسكته العبرة وأجهش في البكاء هو أيضا، متأثرا بالمشاهد، وبدقة العمل.هكذا كان المسرح الأنصاري رغم قلة الإمكانيات وصعوبة الظروف، وبهذه المناسبة أتوجه بالتحية للمسرحيين جميعا وخصوصا رفاقي الأنصار، حيث أبدعوا في هذا المجال الثقافي ولم تحد من إبداعهم تلك المعاناة ولا تلك الظروف.