ادب وفن

الفنانة ميْ شوقي: المسرح هو الجمال والمحبة والسمو / حوار- مجيد إبراهيم خليل


بدايات مشواركِ الفني وبمن تأثرتِ؟

قبل يومين كنت اسأل نفسي لو لم يكن خليل شوقي والدي ولو لم يكن فنانا، ماذا كنت سأكون؟ بالرغم من أنني درست الرسم ولم أمارسه، ومارست التمثيل ولم أدرسه هذه هي المفارقة! إذن ماذا كنت سأكون؟ كان يمكن أن أعمل في مجال علم النفس، الحقوق، التمريض، أو ان أعمل في دار للأيتام أو للأرامل أو في أي مجال يكون على تماس مباشر مع الناس ويخدم الإنسان مباشرة، بالرغم من عملي مع الأطفال في النشاط المدرسي وأعتقد أن المسرح من الفنون القريبة جدا الى الانسان.

تختزنين تجربة ثرّة وتاريخا مشرقا، ما الذي يعيق مواصلة هذه المسيرة؟

أعتقد أن التجربة لأي انسان شخصية جدا، ولا تصبح ذات فائدة إلا اذا نقلت الى الآخرين، الى الأجيال الجديدة. التجربة الإنسانية العملية في أي مجال لا تقاس بالسنوات، التوقف أو عدم الاستمرار وبتصاعد يعني أن التجربة بُترت ولم تكتمل. هكذا هي تجربتي: بسيطة وقصيرة، إذ أنني توقفت وغُربت في وطني وتغربت عنه. وتجربتي مقارنة بتجارب المسرحيين العراقيين الذين عملت معهم في فرقة المسرح الفني الحديث، وهم أعمدة المسرح العراقي ـ وللأسف نحن لا نذكر رموزنا ما أن يتركوا الساحة وأنا هنا أتحدث عن المسرح، هم أيضا تجاربهم لم تعطِ ثمارها خاصة مع كل هذه الردة الثقافية والتردي الاقتصادي والاجتماعي.

هل أصبح المنفى (هولندا) بديلا لعالم المسرح الذي أغنته ميّ بتجربتها؟

لا يمكن لأي بلد أن يكون بديلا عن الوطن إلا للأطفال الصغار والذين يولدون في بلدان الشتات، والمسرح على وجه الخصوص، يعني اللغة، التاريخ، الواقع، الجمهور المسرحي كلها معجونة مع بعض لا يمكن فصلها ولا تجدها إلا في الوطن. إضافة الى صعوبة اللقاء بين الفنانين المسرحيين لتقديم أعمال مشتركة حتى وإن كان عدد شخصيات المسرحية قليلا لا يتعدى الإثنين. العمل المسرحي عمل جماعي يحتاج الى عاملين ويجمع كل الفنون ونواح كثيرة، منها الوقت والتمويل.
توفرت لكِ فرصة للظهور على المسرح في الوطن، بماذا شعرت وأنتِ تواجهين الجمهور بعد غيبة طويلة؟

واجهت الجمهور بعد انقطاع دام 25 سنة في أعمال مسرحية قدمها "ستوديو الممثل" مع أختي المخرجة المسرحية روناك شوقي. مسرحية (سماءات أخرى) لندن 2004 مسرحية (على أبواب الجنة) هولندا 2006 مسرحية (خارج الزمن) لندن/ بغداد 2010 . أن اطابق شعوري في العرض المسرحي مع شعوري أيام مشاركتي في عروض فرقتي "فرقة المسرح الفني الحديث" في نهاية الستينيات وسنوات السبعينيات، هذا لا يمكن، ولكل عرض مسرحي خصوصيته وفرحته. وأن تعرض عملا مسرحيا في بغداد بعد انقطاع طويل ليس لي فقط وإنما لروناك نفسها وسلوى الجراح وناهدة الرماح وعلي فوزي. وبغداد ليست كما تركناها، بالتأكيد تختلط فيه المشاعر والعواطف بشكل عنيف جدا، كان فرحا خاصا جدا، ولكنه لا يخلو من بعض الملاحظات.

في غربتكِ، هل تواصلين النشاط المسرحي؟

الآن أتمرن في "ستوديو الممثل" وأيضا مع المخرجة المسرحية روناك شوقي على عمل مسرحي جديد بعنوان (همس الياسمين) وسيعرض في لندن في النصف الأول من شهر أيار المقبل.

كيف ترين مستقبل الفن المسرحي في العراق؟

هذا السؤال يحزنني بعمق ويحيرني إذا ما سئل في المجالات الأخرى التي تخص العراقيين من أبناء شعبي فكيف اذا سئل بالأخص عن المسرح. اذا قلت كذا وكذا قد أكون متشائمة والدليل على تشاؤمي هو واقع الحال الذي يمر به العراق. فأين المسرح من التشاؤم؟ كل المعطيات تقول: قريبا الأمل ضعيف جدا، أما المستقبل البعيد فالى أين؟ قد يكون هناك أمل، وإذا كنت متفائلة وقلت كيت وكيت ولا أعتقد ان هناك ما يدعو للتفاؤل بالرغم من أنني شخصية متفائلة، فمن اين أبدأ هذا التفاؤل في واقع المسرح العراقي؟ من الأجيال الجديدة المثقفة الرافدة للحركة المسرحية؟ من أكاديمية ومعهد الفنون الجميلة، من الفرق المسرحية التي تعمل في الساحة الفنية؟ أين هي؟ من بنايات المسارح المجهزة بأحسن الأجهزة الحديثة؟ من الكوادر الفنية المؤهلة مسرحيا للعمل التقني المسرحي؟ من المسرحيين الذين يعملون في الدوائر ذات الاختصاص ولا يقدمون شيئا للمسرح يتناسب مع خبرتهم المسرحية واسمائهم؟ من الدعم الذي تقدمه ميزانية الدولة للنهوض بواقع المسرح؟ من الاهتمام بالرموز والشخصيات المسرحية التي ناضلت لتأسيس مسرح ملتزم كان يعتبر من أهم المسارح العربية؟ من الاهتمام بتربية التذوق الفني في المدارس ولكل المراحل؟ من اهتمام العائلة العراقية بالمسرح والفنون ودفع أطفالها للمشاركة في النشاطات المدرسية؟ من واقع المرأة؟ من عمل المنظمات للنهوض بالمستوى الاجتماعي للفرد والأسرة؟ من الخطط الخمسية والعشرية التي تضعها الحكومة ووزاراتها للنهوض بالواقع العراقي؟ من الآمان الذي يعم البلاد؟ من أن اعرض مسرحية في مهرجان ما ولم يرها الجمهور العراقي وكأنها قطعة فنية مقتطعة من بناية كانت جميلة في يوم ما والآن آيلة الى السقوط؟ والأسئلة تطول، وهذا ينطبق على كل الفنون الأخرى وكل مرافق الحياة ولا يمكن تجزئتها عن بعضها، إذ لا يمكن عمل أي جزء دون الآخر.

يوم المسرح العالمي.. ماذا يعني لكِ هذا اليوم؟

يوم المسرح العالمي ذكرى جميلة على قلبي وروحي، وهي تعني لي الحياة، شبابي الذي فات ولم يكن بإمكاني أن أقدم او أعطي أكثر وأعمق وأن أعزز تجربتي. يوم المسرح العالمي بالنسبة لي هي فرحة فرقة المسرح الفني الحديث والورود التي كانت تعطى لنا بهذا اليوم. يوم المسرح العالمي كلمات فناني المسرح في العالم حيث تربطنا معهم بالرغم من أننا لا نعرف بعضنا، ولكنها تحدثنا عن الإنسان ومعاناته وعن فرحه في كل مكان، كلمات تخبرنا عن واقع المسرح حيث يوجد ولا نراه، وكلمات تعزز مواقفنا وإصرارنا على المضي من أجل مسرح أجمل ولإنسان أفضل. كلمات يوم المسرح العالمي نجد فيها أنفسنا حيث لا نشعر بالعزلة عن العالم الإنساني والعالم المسرحي، المسرح يعني الجمال، الرفاهية، المحبة، الرقي، السمو، إذا اجتمعت بحياة تخلو من معاناة الإنسان اليومية ومن العدوانية، عند ذاك تكون ليوم المسرح ولكل الأيام ألوان من أرقّ وأبهى ألوان الطبيعة المتمثلة في الطيف الشمسي. المسرح هو مقياس رقي الأمم.
فلنرتقَ ونسمُ بوطننا وبشعبنا الذي يستحق أن يبقى ساميا.