ادب وفن

كامل شياع في قصيدتين / عبد الكريم كاصد

كتبتُ مرتين عن كامل: المرة الأولى أثناء حياته، عندما التقينا في صنعاء عاصمةً للثقافة العربية، والأخرى بعد استشهاده.
في المرة الأولى كنتُ هناك تلبية لدعوة من وزارة الثقافة اليمنية، بينما كان هو ضمن وفدٍ رسميّ ممثّلاً لوزارة الثقافة العراقية.
في إحدى جولاتنا في المدينة وفي أسواقها الغريبة، المتداخلة، التي يرتفع بعضها خطوتين أو ثلاثاً عن الدرب، انعطفنا إلى سوق الملح، حيث استوقفنا خبزُهُ الأبيض الساخن، جوار البطاطا الشهية، وبيضهِ الذي بدا أشدّ بياضاً. ولأننا لم نكن جوعى اكتفينا بالخبز الأبيض الساخن الذي لم نستطع مقاومة رائحتِهِ، وبريقِه الأخّاذ. كنّا نمضغهُ، ونتذكّر بغداد وأسواقها الشعبية الأليفة الضاجة، حتى خلنا أننا سننعطف إلى سوق نعرفها، أو شارع سلكناه من قبل.
القصيدة هي بعنوان(سوق الملح)، وهي من بين قصائد عديدة يضمّها عنوانٌ شاملٌ: (صنعاء.. ما أبعدَ صنعاء!):
سوق الملح
إلى كامل شياع
لا أدري لمَ كان البَيْضُ أشدّ بياضاً في سوق الملح
والبطاطا أشهى
خلف براقع البخار
وأقراصِ الخبز البيضاء
أشدّ تواضعاً
في عربتها المدفوعةِ باليدْ
قال كامل وهو يمضغُ الخبز:
أندخلُ هذا الممرّ "
قلتُ له وأنا أمضغ الخبزَ أيضاً :
" لندخلْ "
ثمّ لم نبصر السوق
كنّا ببغدادَ نقطعُ ذاك الممرّ
2004
أمّا القصيدة الأخرى فهي بعنوان (البنّاؤون) التي كتبتها إثر استشهاده سنة 2008:
البناؤون
إلى كامل شياع
-1-
الجميعَ هنا قادمون
"لبناء الجنةِ":
الطيبون والأشرار
الملائكةُ والشياطين
اللصوصُ والقتلهْ
ماذا كنتَ ستفعلُ يا كامل في هذا السيرك؟
أيُّ جدارٍ تبنيهِ لجنتك الخضراء؟
وسط جحيم ٍأوّلهُ ليلْ
وآخرُهُ ليلْ
أيّ طوائفَ تجمعُها؟
وإن اجتمعتْ فلذبحك أنتْ
-2-
هنا
ينطقُ الصمتُ بلسان الصرخات
ويقف الظلّ حائراً
في طريقهِ إلى البيت
هنا
تسهرُ الأمُّ نائحةً
تهزّ قبرَ طفلِها
كالمهدْ
-3-
- ماذا تبصرُ في البيت؟
- قبراً
- ماذا تبصرُ في القبر؟
- عائلةً
-4-
من أين نبتدئ الرحلة؟
والقطارات
ذاهبةً
أو
آيبةً
لا فرق
من أين؟
والمحطاتُ مكتظةٌ بالجنازات
ماذا نتركُ أو نحمل؟
أيّ ظفائرَ قُطعتْ؟
أية أحلامٍ نُهبتْ؟
-5-
يا كامل شياع
الطريق التي ابتعدتْ
ملأتها الإشارات
والخطى العائدهْ
وتلك الشواهدُ..
تبصرُها؟
شواهدُ منْ؟