ادب وفن

ياسر البراك: المسرح هو سحر الوجود /حوار: شاكر عبد جابر

على ضفاف الفرات وفي مقهى جميل التقينا الفنان المسرحي الدكتور ياسر البراك، أحد الوجوه البارزة في مدينة الناصرية في مجال المسرح والثقافة بشكل عام، فهو مخرج وممثل وكاتب وناقد مسرحي، بالاضافة الى رئاسته اتحاد الادباء والكتاب في ذي قار وعمله تدريسيا في جامعة ذي قار، كلية الاعلام.
من هو ياسر البراك؟
ياسر البراك، مخرج مسرحي عراقي، حصل على عدة شهادات في ميدان الاخراج المسرحي، بدأت بالدبلوم في معهد الفنون الجميلة في البصرة عام 1990 مروراً بشهاد البكالوريوس ايضاً في الاخراج المسرحي من جامعة بغداد كلية الفنون الجميلة سنة 1994 ومن ثم الماجستير من جامعة بابل ايضاً في الاخراج المسرحي عام 2010 وعام 2016 حصلت على شهادة الدكتوراه في الاخراج المسرحي.
وعلى صعيد العمل المهني قمت بتأسيس جماعة الناصرية للتمثيل عام 1992 وهي فرقة مسرحية مستقلة كان الهدف منها ان تكون فرقة مسرحية بعيدة عن اشتراطات الدولة، اردناها فرقة جامعة لعدد كبير من الشباب، وقدمت على مدى 24 سنة أكثر من 25 عملا مسرحيا متنوعا ما بين التجريدي والمسرح الشعبي ومسرح الطفل ومسرح التعزية وكثير من الانماط المسرحية الاخرى.
حدثنا عن أعمالك المسرحية
في عام 2005 قمنا بتأسيس مسرح الدمى والمسرح الجامعي في الجامعة وانشاء مجموعة من الورش المسرحية متنوعة ما بين الجوانب العملية والنظرية بهدف اعداد أعضاء الجماعة بشكل علمي لأن أغلب أعضاء الجماعة هم من الهواة لم تتح لهم فرصة الدراسة في ميدان المسرح. كما اصدرت مجلة المشهد المسرحية، وصدرت تسعة أعداد منها، وهي مجلة تعنى بالثقافة المسرحية، ثم تم منع هذه المجلة من قبل النظام السابق. كما تم منع بعض العروض المسرحية أيضا، ففي عام 1994 تم منع عرض مسرحية الوباء الأبيض لكارل شابك قبل عرضها بسبعة أيام لأنها كانت تدين الحروب العبثية وفكرة الدكتاتورية، وفي عام 2002 تم منع عرض مسرحية الدرس لانها تبحث في موضوعة الدكتاتورية ولكن من منظار آخر ولم تعرض الا بعد سقوط النظام عام 2003
كيف ترون المشهد المسرحي في الناصرية؟
حاولنا أن نضخ الى الساحة المسرحية عددا من المؤلفين والمخرجين المسرحيين من الشباب وفعلاً تم تقديم بعض العروض المسرحية لعدد منهم في مقدمتهم المخرج حيدر جبر الاسدي والمخرج مصطفى ستار الركابي والمخرج علي حسن، وهناك أيضاً مؤلفون في مقدمتهم الكاتب علي عبد النبي الزيدي وحازم رشك التميمي، حيث قدمنا له عملا مسرحيا عام 2005، وعمار نعمة جابر قدمت له الفرقة أعمالا مسرحية أيضا.
ما الذي جاء بياسر البراك الى المسرح؟
مجيئي للمسرح لم يكن مصادفة، منذ الطفولة وأنا من مواليد "1968" ومنذ ان كنت في المدرسة الابتدائية كنت الطالب الاول الذي يقرأ نشيد الخميس، وكان معلمونا في مادة القراءة يعتمدون علي بشكل اساسي في ذلك، وفي المتوسطة 1980 أفادوني أساتذة أجلاء في مقدمتهم الاستاذ محمد احمد صالح، الذي يعود اليه الفضل الكبير على جيلنا من مواليد الستينيات من خلال توعيتنا، وكان هناك تأثير كبير لشقيقي الأكبر ناصر، وكان فاعلاً في الميدان المسرحي والرياضي.
كذلك هناك مشهدان شخصيان تركا أثرا على حياتي، المشهد الأول هو مشهد كوميدي بمناسبة العيد، وكان هناك رجل اسمه شنيشل، كان ينصب خيمة وسط ساحة الالعاب وعند دخولنا نحن الاطفال نجد ان هناك حبالا مثبتة بشك دائري وفي وسطها قرد ويقوم شنيشل بمحاكاة القرد حيث يبدأ باللعب، هذا المشهد ترك اثر في نفسي وكنت أفكر في موضوعة الفرجة التي يخلقها هذا الرجل بفطرته البسيطة، وبعد دراستي للمسرح رأيت ان هذه ظاهرة مسرحية اندثرت بعد اعدام شنيشل في انتفاضة 1991.
المشهد الثاني الذي اثر في تكويني المسرحي هو التعازي العاشورائية التي كانت تقدم في فترة السبعينيات انذاك وكانت تمثل في منطقة سيد جابر وموكب عدنان النجار في شارعنا، وكانوا يقومون بعمل التشابيه، هذه المشاهد تركت أثر في نفسي ايضاً جعلني اهتم بهذا الطقس المسرحي فيما بعد واخذت عينات من العراق ومن لبنان وحاولت اجراء دراسة مقارنة في محاولة لاكتشاف درامية هذا الطقس وامكانية توظيفه مسرحياً وكان الحدث الابرز في تجربتي المسرحية هو دخولي معهد الفنون الجميلة في البصرة عام 1983.
أنت وجيلك جئتم على ارث كبير في المسرح في الناصرية، والذي رفد المسرح العراقي بفنانين كبار بالرغم من البنية التحتية الفقيرة للمسرح. كيف ترى بنية المسرح التحتية والثقافة بشكل عام الآن؟
بدأ المسرح في الناصرية في العشرينيات وفي نفس الوقت الذي بدأ فيه المسرح في بغداد، ففي عام 1921 قدمت مسرحية قيس وليلى في المدرسة المركزية، وتعتبر اول اشارة تاريخية لبدايات المسرح في الناصرية ومنذ العشرينيات واواخر السبعينيات كانت الحركة المسرحية مزدهرة تماماً على الرغم من عدم توفر الامكانات التقنية وبنية تحتية للمسرح.
وفي بداية الثمانينيات وبالتحديد ايام الحرب بدأت الحركة المسرحية تأخذ اتجاهات اخرى حيث أغلب الاعمال من 1980 الى 1990، كانت اعمالا تعبوية تمجد الحرب والدكتاتور الا ما ندر، ومع الاسف رضخ البعض، والبعض هاجر، والبعض اكتوى بنار الحرب انذاك.
الانطلاقة الجديدة بدأت مع مطلع التسعينيات حيث كان هناك جيلان، الأول جيل السبعينات الذي بدأ يستعيد بعض عافيته، والجيل الجديد الذي بدأ عطاءه مطلع التسعينيات والذي أمثله مع زملاء آخرين، وبعد 2003 اصبح من الصعوبة الحصول على قاعة للتدريبات وكنا نتمرن في بعض اعمالنا على كورنيش الناصرية وأحياناً في بيوتنا واضطررنا ان نتمرن في أكثر من مكان، الوحيد "الحزب الشيوعي" وفر لنا قاعته للتمرين، ومع ذلك لم نيأس، وقدمنا عروضا وشاركنا في مهرجانات متعددة وحققنا حضورا لافتا في المدينة وخارجها وما زلنا للآن نعمل بجهودنا وامكاناتنا الذاتية.
جماعة الناصرية للتمثيل حاولت واشتغلت على موضوع معهد للفنون الجميلة في الناصرية. اين وصل الموضوع؟
فكرة معهد الفنون الجميلة كانت حلم جميع المسرحيين في الناصرية لأن المسرحي اذا كان يريد ان يدرس المسرح لابد ان يذهب الى البصرة او بغداد، للأسف العقليات المتخلفة التي تدير المؤسسات جعلت من فكرة انشاء معهد للفنون الجميلة متأخرة تماماً، الآن تم فتح معهد للفنون الجميلة ومنذ ثلاث سنوات وما زال هذا المعهد يصارع هذه العقليات المتحجرة ويريدون ان يحولوا هذا المعهد الى اعدادية لتخريج معلمي التربية الفنية علماً ان الفكرة من انشاء المعهد هي لتخريج فنانين في ميداني المسرح والتشكيل والموسيقى، وليس الجماعة وحدها من سعى الى تأسيس المعهد وانما كانت هناك جهود لنقابة الفنانين وللنشاط المدرسي وبالأخص الاستاذ حسين البطاط والاستاذ علي عبد عيد وهناك جهود لشخصيات سياسية مثل الاستاذ عادل فهد شرشاب والاستاذ شيروان الوائلي وربما هناك اسماء اخرى ولكن نحن نطمح الى ان يكون للمعهد مبنى خاص به بحيث يضم مسرحا نظاميا خاصا وورشا للفنون الاخرى كالتشكيل وقاعات للموسيقى.
ماذا تقول في يوم المسرح؟
يوم المسرح العالمي يوم مهم في حياتي الشخصية اولاً وفي حياة المسرحيين ثانياً وفي حياة البشرية عموماً لأن المسرح هو سحر الوجود وبالتالي ما لا نستطيع ان ندركه في حياتنا اليومية يمكن ان ندركه في ميدان المسرح واتمنى ان يكون هذا اليوم ليس يوماً للمسرحيين فقط بل يوماً وطنياً تهتم به وزارة الثقافة اولاً والمؤسسات الثقافية والفنية فضلا عن اهتمام الدولة.