ادب وفن

يوم المسرح العالمي.. يوم بأية حال عدت؟ / د. ماهر الكتيباني

يمزج فن المسرح ثقافات إنسانية متنوعة، ومنذ تبلور رسالته الكبرى أيام الإغريق سارت فلسفته على وفق فواعل التضاد ما بين قيم الخير والشر، ولخطابه غايتان هما المتعة والفائدة، وكل منطقة زمنية وحضارية تمنحه صبغة وفلسفة، حتى انه أضحى الوسيلة التي تصلح للتعبير عن الكوامن والحاجات والتطلعات والطموحات، وأسهم في فتوحات الثورات الفكرية الكبرى والعميقة الأثر في الحياة الإنسانية، سيما منها الانعطافات المفصلية، ولعل المدخلات الثقافية التي شكل لها المسرح قطب الرحى، منحت البشرية أداة في التغيير والتعبير واللعب على إثارة الحماسة والتأجيج والتثقيف ونثر الرؤى والتطلع إلى المستقبل، بل إن التجسيد الحيوي لها يأخذ شكل الخطاب المسرحي، حتى أن الأمم المتحضرة حافظت على أنموذجها التطبيقي في ما خلفه الكتّاب والمخرجون من نتاجات أصيلة تمتاز بطقوسية خاصة ومسارح ذات مواصفات تقنية متطورة، الأمر الذي تفتقر اليه المؤسسات الاكاديمية والفنية في العراق، تلك الأمم تدرك أهمية المسرح في تكوين شخصية الفرد وتمتينها بالوعي ومنحها القدرة على التفكير، وصهرها بالمحتوى الجمعي.
ان الحديث عن ذلك الأمر يبدو ذا أهمية بالغة حيث التركيز على القيمة الانسانية التي يمتاز بها حقل المسرح، ومسرحنا كانت له صولات في التجريب والابتكار ومازال، وذلك ما يدفع إلى اتخاذ المناسبة السنوية للاحتفال بيوم المسرح العالمي محورا لتأكيد الأهمية العالمية له، كونها تمتاز بحس جمعي بشري، فالملاحظ وبحسب الاشارة السابقة الى اجتماع الثقافات المختلفة في لبته، وماهي الا دلالة واضحة على انه عابر للمسافات واللغات، وهو خير وسيلة للاجتماع على مائدة الجمال والبحث والتفكير والحرية واحترام الآخر في وجوده وطروحاته، حيث أن المنطلق الذي يمكن ان يرسخ في هذه المناسبة أن يكون المسرح بوصفه العلم الذي تسعى الأمم كلها إلى أن تجعله في صدارة ثقافاتها لأنه الاساس في نمو ونضج الوعي المجتمعي.
إن العالم برمته يحتفل بهذه المناسبة فيما العراقيون تتفاوت احتفالاتهم، على الرغم من ان تاريخ المسرح في العراق يشكل ارثا وخزينا شاملا لمسرحنا العربي في ضوء التجارب الابداعية للرواد والمحدثين من المسرحيين الذين تمازجت تجربتهم بأساليب تعلموها عبر دراستهم خارج البلاد وداخلها وأجادوا تجسيدها في أعمالهم، ونخص منهم جيل الرواد ومن جاء بعدهم وصولا الى وقتنا الحاضر حيث انتشار عروض الرقص الدرامي فضلا عن الرؤى التي تعمد الى الفنون الادائية ما بعد الحداثية، تلك التي يمكن أن تناقش تأسيسا على واقع المغايرة، بل وفي بعض الأحيان التضاد مع السابق أو بشكل أوضح ما بين مرحلة زمنية أو جيل وآخر، والتساؤل الأكثر شمولية هو كيف يمكن الارتقاء بواقع المسرح ليكون منافسا وفي الصدارة، وأن يحتفل به سنويا وهو يعاني فقر البنى التحية بل وحتى الاهتمام من قبل المؤسسات ذات العلاقة؟
ان من لا يؤمن بالمسرح ورسالته وضرورته لا بصيرة له، وما نراه الآن، أن الاحتفاء بهذه المناسبة يبقى محدودا ومحاصرا، لكن المسرحيين يسعون دائما الى أن يكون الاحتفاء تظاهرة اجتماعية شاملة، تعيد إليه صوته وهيبته ، ليس هذا فحسب، بل كذلك يكون الاحتفال السنوي بيوم المسرح العالمي لغرض تأكيده وسيلة في التعليم التربوي، آخذين بعين الاعتبار ان اجيالا عديدة ممن نبغوا في علومه هم خلاصة المسرح المدرسي.
قطعا نحتفل بهذا اليوم الخاص بالمسرح، لكنها احتفالات خجلة، لا تنسجم وتاريخ الحياة المسرحية العالمية وعبر تاريخ وجوده الذي تخطى العشر عقود في العراق، كيف يمكن ان يرسخ واقع احتفال بيوم يحتفل العالم كله فيه ، وهو لم يرسخ تقاليد مسرحية بعد على الرغم من انتشار المؤسسات الاكاديمية في عموم البلاد التي تخرج المئات سنويا، فضلا عن امتلاء المكتبات بالرسائل والاطاريح في موضوعات تخص العلوم المسرحية؟ الحاجة هي ان يكون لنا صرح جديد نحتفل به سنويا في هذا اليوم الأغر، ان ننثر ثقافتنا ومعطيات حضاراتنا على العالم تماما مثلما تتداخل ثقافات الآخر إلينا عبر المسرح، وأن يكون الابتكار هو الهاجس الدائم للمسرحيين الذين يجمعون الفنون والعلوم كلها في اختصاصهم.
 
.