ادب وفن

داود سلمان الشويلي روائيا / علاء رجب

للرواية عالم واسع وممتد زمانا ومكانا ، وهي ايضا عالم يفيض بالحياة، كالحياة نفسها، انها عالم مدهش، ليس بسردية ما يقدمه، وانما بكل ما تحمله من كلمات ستخبرنا بها.
الروائي داود سلمان الشويلي قدم للمكتبة الروائية ست روايات، اثنتان منها طبعتا على الورق قبل عام 2003 ، وأربع، ولاسباب خاصة ظلت على الانترنيت منشورة على المواقع الادبية.
في دراستنا هذه سنقدم الروايات الثلاث المنشورة على الانترنيت لأنها الأحدث، وهي: اوراق المجهول . الحب في زمن النت. المأساة.
في الروايات هذه نجد الكاتب قد عالج هموم بلاده معالجة فنية، سردية، ترتقي لأن تكون المعالجة فيها بعد نظر فلسفي.
في رواية (اوراق المجهول) يقدم المؤلف شخصية وهمية، غير موجودة على ارض الواقع، لكنها مؤثرة فيه، من خلال اربعة شخوص – يدخلون الرواية الواحد تلو الاخر – يتحدثون باسمه، ويقومون بافعال ايضا باسمه في جزء من المجتمع .
يستهل الكاتب روايته بمقولة مأخوذة من رواية "شفرة دافنشي": "كثيرون هم الذين اتخذوا من الاوهام والمعجزات الزائفة وخداع البشر تجارة لهم" . وينهيها بكلمة مقتبسة من رواية "شفرة دافنشي" ايضا: "الجهل يعمي ابصارنا ويضللنا، ايها البشر الفانون!افتحوا عيونكم"!.
وبين هذين الاقتباسين تتوزع ثمانية عشر ورقة من أوراق هذا المجهول، وورقتان خارجيتان احداهما تبدأ الرواية بها والأخرى تنهيها.
تتحدث الرواية عن خلق شخصية وهمية بعد رحيل الشيخ الاصلي للقرية من خلال شخص يخشى ان تذهب منه النعمة التي نزلت عليه جراء هذا الشيخ، ليضحك على الناس، بخلق تلك الشخصية الوهمية .
تتوالى الشخصيات الواحدة بعد الاخرى، موت الأولى لتتربع الأخرى على رقاب الناس وتجمع منهم الاتاوات وكلها تذهب الى جيوبهم.
تبرز الرواية مدى التخلف الذي يرزح تحت وطأته مجتمع الرواية الذي ينطبق عليه قول دافنشي ((الجهل يعمي ابصارنا ويضللنا، ايها البشر الفانون!افتحوا عيونكم!)) من خلال ما أكده دافنشي في مقولته الأولى التي افتتحت الرواية بها : كثيرون هم الذين اتخذوا من الاوهام، والمعجزات الزائفة وخداع البشر تجارة لهم .
في نهاية الرواية يتبرأ الكاتب الذي جاءت الرواية على لسانه من ان تكون هذه الرواية هي سيرة ذاتية له.
يقول في الورقة الاخيرة: (فشقيقتي لم يكن اسمها كأسم شقيقة خيري في الرواية، وانا لم أحصل على شهادة البكالوريوس في أي علم تطبيقي او تقني او انساني، ولم يكن لي صديق مثل راضي او زوجة لها اسم رضية شقيقته، ولم يكن لي عم لتكون لي علاقة حب مع ابنته كما كانت بين خيري وخيرية ، ولم اولد في القرية ، اذ انني ولدت في مركز المحافظة وتعلمت بمدارسها التي تضم خيرة المدرسين والمختبرات العلمية والنشاطات الفنية في الرسم والمسرح ، وكنت اكتب لحبيبتي – هكذا ازعم انني احببت فتاة كانت لا تعيرني ادنى اهتمام – بعض اشعار الغزل التي اجم?ها من عدة قصائد معروفة ، وكان نزار قباني مساعدي في كتابة الشعر).
في روايته ( المأساة) يبدأ الروائي بابيات للشاعر بدر شاكر السياب والتي يقول فيها :
((يا غربة الروح في دنيا من الحجر
والثلج والقار والفولاذ والضجر،
يا غربة الروح .. لا شمس فأأتلق
فيها ولا افق
يطير فيه خيالي ساعة السحر.))
هذه الابيات سترافقنا على طول هذه الرواية القصيرة،من خلال نسيجها الدرامي ، لينهيها بابيات للشاعر ذاته يقول فيها :
((وذكرتها،فبكيت من المي:
كالماء يصعد من قرار الارض، نزّ الى العيون دمي
وتحرقت قطراته المتلاحقات لتستحيل الى دموع
يخنقنني فأصك اسناني، لتنقذف الضلوع
موجا تحطم فوقهن وذابَ في العدم))
الرواية هذه كتبت على مساحة خمس عشرة ورقة (رواية قصيرة)، الا انها ممتلئة بموضوعها الذي تتناوله، ممتلئة بالحياة التي تتحرك فيها، ممتلئة بما فيها من نبض، ممتلئة بالاسئلة التي تطرحها علينا نحن الاحياء، انها قصة فتاة شاعرة، مبتدئة بكتابة الشعر، تتعرف على ناقد عبر "الفيس بوك " يبارك ما تقدمه من شعر، تطلب منه ان يساعدها في اختيار قصائد ليضمها ديوانها الاول، وبعد ان يرسل اختياراته، وتخبره أنها ستسافر الى بغداد لتطبع ديوانها، تنقطع اخباره عنها، فيترك لها رسالة على البريد الالكتروني يقول فيها:
(شاعرتي صباح المحترمة
تحية طيبة
وبعد
منذ شهرين انقطعت عني رسائلك، ارجو ان تكوني في احوال صحية جيدة ... وان كنت قد استلمت رسائلي تلك – وهذا افتراض بعيد – ولا تريدي الاجابة عنها لاسباب تخصك، فارجو اعلامي بذلك لكي اقطع انا رسائلي عنك.
شكرا لك على المراسلة السابقة بيننا، وشكرا على قصائدك الجميلة، وشكرا على ثقتك بي.
تحياتي.
زميلك
داود).
وبعد أيام يرسل اخوها رسالة تخبره بوفاتها جراء انفجار ارهابي وهي في طريقها الى المطبعة.
الرواية هذه تعيد لنا السؤال الازلي عن المصطلح، بين مصطلحي الرواية والقصة والقصة الطويلة، ما هي حدود القصة وما هي حدود الرواية؟ وهل هي باعداد الاوراق المكتوبة عليها، او بعدد كلماتها؟ او ان الموضوع هو الذي يحسم هذا الجدال ؟ او شيء اخر؟.
سأترك الاجابة عن هذه الاسئلة الى القراء، وقراءة الرواية أو القصة الطويلة هذه.
الرواية – أو القصة الطويلة – "المأساة" تعتمد أسلوب الرسائل القصيرة ،بين الناقد والشاعرة.
اما رواية (الحب في زمن النت) فتبدأ بما يشبه المقدمة التي يقول فيها : ((القصة ... الرواية ... المسرح... الشعر ... بل كل الكتابات الابداعية لم تكن في يوم ما بعيدة عن الواقع المعاش... بل هي الواقع بلبوس الخيال الذي تضفيه عليه مخيلتنا".
وانا اذ اكتب هذه الرواية فإنني لم ابتعد عن ذاك الواقع، وفي الوقت نفسه ، لم اترك للخيال ان يقيدني اليه فيما اكتب.
والقاريء النبيه سيتلمس ما هو واقع وما هو خيالي امتزج فيه ، وانا لا اريد ان اخبره اين يجد الواقع، واين يلتمس الخيالي... لان في ذلك مصادرة لعقله وفكره وخياله وذائقته الابداعية.
اترك للقارئ النبيه ذلك ... الا انني التمس العذر منه عندما اقول: ان ما في الرواية من رسائل واحاديث على النت بريئة من الخيال، حتى اني تركتها كما هي وبما تحويه من الفاظ عامية.
في هذه الرواية يمزج الكاتب بين ما هو واقعي وما هو متخيل من احداث الرواية.
تبدأ احداث الرواية برسالة من الفتاة "الحبيبة"الى الرجل "الحبيب" تطلب فيها منه ان يصف حبه لها، وتنتهي احداث الرواية بالعبارة التالية : "وفيما انا اشعل قلبي بدخان السيكاير ،وبعد منتصف الليل بالضبط، رن جهاز المحمول... كان صوت رشا... شعرت بكلماتها تتحشرج في فمها... قلت لها : رشا اهدئي... خذي نفسا من الهواء ... ماذا بك ... كلميني بهدوء.... سكتت رشا لحظات خلتها دهرا، ثم قالت: احمد حبيبي قبل والدي ... اتصل قريبنا واخباره جيده... اهنئ نفسي واهنئك ... احمد ... الف مبروك ...الف مبروك ... وراحت كلماتها تختلط بنشيجها ?.. ظلت تنشج ... الا ان الصوت الذي جاءني بعد ذلك كان غير صوتها... وبلهجة بلدها قال الصوت النسائي: ابني مبروك. ثم اقفل الخط".
وبين بداية الاحداث ونهايتها نتعرف على الفتاة "الحبيبة" وهي فتاة من بلد عربي، والرجل "الحبيب" من بلد عربي اخر، وكيف انهم يتعارفون على النت من خلال الحوار ببرنامج (الشات)، والرجل اكبر من الفتاة باكثر من ثلاثين عاما، والفتاة خريجة كلية.
الرواية تقدم لنا نوعا جديدا للحب، وهو الحب على "النت" ، أي حب من خلال التكنولوجيا الحديثة الذي – في الرواية هذه – يتكلل بالنجاح، اذ يتزوج الحبيبان، على الرغم من اختلاف البلدان والثقافة والمذهب، وفارق العمر.
فهل التكنولوجيا الحديثة ستزيل تلك المعوقات امام البشر ليتزوجوا ؟
هذا السؤال اتركه للقراء والى الزمن، فهما الكفيلان بالرد عليه.