ادب وفن

حياة ثرية طبعتها جذوة معرفية / د. خالد السلطاني*

اسمحوا لي ان اعرب عن فائق شكري وامتناني الكبير للجمعية العراقية لدعم الثقافة، على مبادرتها في احياء جلسة استذكار عن جلال الماشطة.
يصعب عليّ كثيرا ان اتحدث عن اخي وصديقي العزيز جلال بصفة الماضي؛ يصعب عليّ ذلك. لأني لا زلت اعاني هول واقعة فقدانه ووفاته، رغم اني كنت اعرف بان أياما معدودات تفصلنا عن فراقه، و موعد رحيله الابدي بعد لقائنا الأخير، حيث التقيناه زوجتي وانا، في برلين وكان بمعية زوجته انعام العزيزة في رحلة علاج دورية.
لم يكن جلال الماشطة بالنسبة اليّ مجرد صديق، او رفيق درب طويل قطعناه سوية؛ كان جلال جزءاً من نفسي، وصنوا لروحي، وتوأما لها. كان مستودع ذاكرتي، وكان أيضا يمثل بوجوده في حياتي، تجسيدا رائعا للآمال والطموحات التي كنا نحلم بها ونسعى وراء تحقيقها، كل حسب مقدرته ونوعية مهنيته، يحدونا شغف عميق في رؤية وطننا بلدا متقدما وزاهرا. في نقاشاتنا العديدة التي لا تنتهي، وأحاديثنا التي لا تنقطع رغم ابتعاد الأمكنة التي تفصلنا الواحد عن الاخر، كان جلال المليء بالمعرفة وبتنوعات اجناسها العديدة، التي اغنت شخصيته بثقافة رصينة وجادة، يتوق إلى ان يكون السباق في نشر تلك المعرفة وتوسيع مداها، وايصالها الى فئات عديدة في المجتمع. وكان يعتبر ذلك "منطقته" التي يمكن بها ان يكون مفيدا ونافعا لبلده وللإنسانية التي ينتمي اليها. ولعل تنوع انشغالاته واهتماماته وعديد اعماله التي مارسها في مراحل مختلفة من حياته الثرية، في الصحافة والادب والاعلام والسياسة، خير دليل على امتلاكه تلك "الجذوة" المعرفية التي طبعت حياته، وسعى بها لتكون في اعلى مدياتها من الجدية والصدق والإخلاص!
عندما كنت في موسكو في الفترة الأخيرة، سارعت إلى زيارة ضريح جلال لألقي عليه تحية الوداع التي لم احظ بتقديمها إليه عند واقعة رحيله المبكر. كانت لحظة مؤثرة حفلت بالكثير من العواطف الجياشة، حتى اني طلبت من زوجتي ومن ابنه "فارس" المرافق لنا، ان يبتعدا قليلا، ويتركانا معا لوحدنا. كان لقاءً فريدا لم أكن اتوقعه او اتخيله، وانا اتحدث اليه واناجيه، وهو في قبره الذي فرشت سطحه بزهوري التي جلبتها معي احتفاء به وبذكراه الطيبة. لم أستطع في حينها البكاء، اذ كانت لوعة الفراق، والحالة التي انا فيها واقفا عند حافة قبره، جد عاطفية ومثيرة للمشاعر، لكن دموعي انسابت بغزارة من دون إرادة مني، حزنا والماً في تلك اللحظة التي وجدنا أنفسنا: جلال وانا في حالة لم تكن واردة، ولم تدر في مخيلتنا، او ان نكون نحن شهودا عليها!
ستظل ذكراك أيها الطيب، أيها الشقيق، أيها الصديق الوفي، حاضرة دوما في ذاكرتي وفي ذاكرة اصدقائك ومحبيك!
الراحة الأبدية لروحك العذبة، أيها الرجل اللامع: فخر العراق، وأحد مثقفيه المبدعين.
شكرا لكم جميعا، والشكر الموصول الى الجمعية العراقية لدعم الثقافة لمبادرتها الكريمة في استذكار جلال الماشطة.
ـــــــــــــ
*معمار وأكاديمي