ادب وفن

قوة المهمل وقوة القامع (2-2) / حميد حسن جعفر

التجارب في الكتابة والتفكير التي تنتمي إلى معارضة السائد كانت من الممكن أن تصنع حالات من المغايرة.
لقد كانت هناك تجارب الثورات الاجتماعية (طبقية عرقية فكرية دينية) والتجارب المضادة في الكتابة.
ترجمة كليلة ودمنة / المقامات/ البند/ ألف ليلة وليلة، وتجارب أخرى كثيرة، لم تستطع هذه التجارب أن تجد من يأخذ بيدها. سواء على مستوى الأفراد أو المجتمع. لم تجدْ لها حاضنة لتشكل مردودات كتابية مماثلة، لتتسع مساحة التأثير ولتزداد قوة الرفض.
لذلك أصبحت الأشكال السابقة تجارب يتيمة رغم أنها تنتمي إلى الكثير من الإبداع والمغايرة.
وكذلك تعد تجربة البحث عن الآخر عبر الترجمة، تجربة استطاعت أن تؤكد على قوة المعرفة في جسد الثقافة في انتشال المجتمع من الركود الثقافي. وكذلك على قوة قانون التأثير والتأثر.
لقد استطاعت الفلسفة اليونانية مثلاً أن توفر هزّات ثقافية تنويرية في مفاصل الدولة آنذاك . وليصحو العقل العربي والإسلامي على طرق تفكير مختلفة وعلى ملامح لحيوات لم تمارس من قبل.
إلا أن قوة الجندي التابع للدولة / للخلافة كانت أقوى من المفكر والأدب والمترجم.
وبالتالي فإن المهمل الذي يقف أو يتحرك خارج سياقات المشاع أو المتعارف عليه قد يجيء معلنا عن نفسه على شكل ممارسات مكفولة على الورق ولكنها مقموعة على أرض الواقع عند لحظة التطبيق.
مما يدفع بالمختلف أفراداً وجماعات . أفكاراً أو أحزاباً وتجمعات ومنجزات إبداعية إلى أن تقف خلف سواه وأن تتماهى خلف أشكال لا تنتمي إليها بل وكثيراً ما تتعارض هذه الأشكال البديلة مع المختلف ذاته.
إن قمع الدولة والمجتمع (دين وممارسات رجالات الدولة (الخليفة / القضاة / الشرطة) المحتمين بالفكر المؤسساتي وليس بالفكر الديني للمواطن المحكوم هذه الممارسات دفعت بالآخر/ المهمل إلى الوقوف خلف مسميات وعلامات ولافتات أخرى. غير التي يرعاها أو يؤمن بها.
ومن أجل أن تتمكن قوانين وأنظمة القمع والشطب، تعمل السلطات على أن تتعكز على حماية المجتمع وأنظمة الدولة ومقدسها. والحفاظ على وحدة البلاد ومن يتربص بها وبالتالي فمن الممكن أن تجد لها الكثير من المبررات التي تتيح لها وتبيح كذلك أن تسلك طرقاً غير متزنةٍ تعتمدُ الإقصاء مما يدفع بالمهمل بالمقابل إلى أن يشتغل على صناعة التماهي. والاختباء خلف واجهات قد تكون مسموحاً بها. من أجل بث أفكارها وأحلامها في صناعة مساحة تدافع عنها. وتعيش وسطها بعيداً عن حروب الدولة ومحارقها.