مدارات

الدولار وتأثيره في أسعار الذهب والنفط والعملات الاخرى ودور العراق المقبل في تسعير النفط

اعداد ابراهيم المشهداني
تحت هذا العنوان،صدر عن "دار الملاك للفنون والآداب والنشر" كتاب لمؤلفه فؤاد قاسم الامير، وسبق ان صدرت له عشرة كتب من الحجم الكبير تبحث في الاقتصاد بشكل عام والنفط بشكل خاص ومعظمها تدور حول السياسة النفطية في العراق.
الكتاب يتكون من مقدمة وأربعة فصول ففي مقدمته تحدث الكاتب عن شكل الاقتصاد واثرهه على الصناعة في العراق ويرى انه لا يمكن للصناعة في العراق ان تنمو وتتطور وفق نظام الاقتصاد المفتوح بإتباع نظام الخصخصة وانفتاح الاقتصاد الذي تبناه عدد من الاقتصاديين العراقيين تحت ما يسمى باللبرالية الجديدة او العولمة الاقتصادية او ما يدعوه البعض بالرأسمالية المنفلتة او الجامحة او ما تسمى في بعض الادبيات بالرأسمالية المتوحشة. ويضيف الكاتب (انه لم يجد في قراءاته السابقة ومتابعاته دولة واحدة في العالم النامي اعتمدت ما يسمى بالاقتصاد المفتوح واستطاعت من خلاله ان تطور اقتصادها وتنميه انما كان العكس تماما وفي جميع الدول النامية التي سارت بهذا التوجه منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا سواء كان مسارها هذا طوعا لاقتناعها بهذا النهج الاقتصادي او قسرا تحت ضغط الولايات المتحدة مباشرة او من خلال المؤسسات الدولية التي تمثل الة الضغط مثل صندوق النقد الدولي او البنك الدولي او منظمة التجارة العالمية وتحت مسميات مختلفة تقع كلها تحت ما يعرف -بالإصلاحات الاقتصادية-)
وخرج الكاتب في مقدمته باستنتاج عن دور الليبرالية الجديدة في الدول الصناعية يتجلى في تقسيم غير عادل للثروة فقد ازداد الفقراء فقرا والأغنياء غنى وانتهت مرحلة "دولة الرفاهية" ولم تكن الزيادات الاسطورية في ثروات الافراد والمؤسسات نتيجة لتطور القطاعات الاقتصادية كالصناعة والزراعة وانما من خلال المضاربات والاستثمار في المؤسسات المالية كالبنوك وشركات التامين وإعادة التامين والبورصات والأسواق المالية والنقدية المختلفة.
اما الصين وهي المثال الناجح عند الحديث عن الاقتصاد المفتوح فإنها اتخذت مسارا خاصا بها اذ استغلت الانفتاح الاقتصادي بشكل عقلاني وموضوعي لصالح
الشعب على عكس توقعات الدول الرأسمالية التي نقول ان انفتاح الصين سيفتح سوقا واسعة يساعدها في تمدد الاقتصاد الرأسمالي.
الحرب العالمية الثانية وبروز الدولار
في الفصل الاول يتحدث المؤلف عن الظروف السياسية التي مرت بها اوربا وبروز النظام النازي الهتلري كقوة صاعدة وتعاظم الصراع بين دول اوربا من اجل الاستحواذ على الاسواق العالمية والاستيلاء على المواد الاولية وخاصة الطاقة التي تتطلبها الصناعة الرأسمالية،مما ادى الى نشوب الحرب العالمية الثانية وكان هذا هو السبب الرئيسي في الهجوم على الاتحاد السوفييتي حسب شهادة البرت سيبر وزير التسليح والإنتاج الحربي الالماني وكان هتلر يكرر في دوائره الخاصة انه يريد السيطرة على نفط القوقاس وفتح بوابة السيطرة على العالم.
وكان من بين النتائج الاساسية للحرب العالمية الثانية خروج الولايات المتحدة الامريكية بوصفها الرابح الاكبر فهي بعيدة عن العمليات الحربية المباشرة ولم تتضرر نتيجة الحرب اي من بناها التحتية او معاملها الصناعية او قطاعها الزراعي الامر الذي جعل منها المصدر الاساسي للاستثمارات في الدول المتحالفة معها وخاصة مشروع مارشال.اما النتيجة الثانية للحرب فتتمثل في انتشار الافكار الاشتراكية والشيوعية ليس فقط في اوروبا بل انتشرت في مختلف القارات وخرج الاتحاد السوفيتي القوة العظمى الثانية غير ان اقتصاده كان ضعيفا جدا بسبب الاعمال الحربية الاكثر اتساعا وتدميرا في تلك الحرب على عكس الاقتصاد الامريكي وهذا ما دفع بالولايات المتحدة الامريكية الى تطوير علاقاتها مع دول العالم وخاصة المملكة العربية السعودية حيث يمثل النفط مصدر الطاقة الرئيسي لذا بادر الرئيس الامريكي روزفلت بإبرام اتفاقية اقتصادية نفطية مع الملك السعودي وهو ما ازعج بريطانيا التي حاولت دفع الولايات المتحدة والحلفاء لمحاربة الاتحاد السوفييتي إلا ان روزفلت رفض هذا العرض خاصة وان اقتصاد امريكا كان اكثر معافاة ما جعل الولايات المتحدة الدائن الاكبر للدول الصناعية الامر الذي قاد الى ان قيمة بعض العملات لا تساوي ثمن الورق المطبوعة به، الدولة الاقوى عسكريا خاصة وإنها تملك السلاح النووي. هنا وظهر الدولار كونه اقوى العملات على الارض وأكثرها استنادا الى الذهب يقابلها تدهور النقد في كافة الدول، بالإضافة الى ان التضخم النقدي في الدولة الخاسرة كان عاليا.
جميع هذه الامور ادت الى ضرورة وجود نظام اقتصادي يشمل العالم كله او على
الاقل يشمل العالم الرأسمالي وان انجاز هذا المشروع باستطاعته حل المشاكل الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية الناشئة عنها وبذلك ظهر (نظام بريتون وودز )
مؤتمر بريتون وودز
في الفصل الثاني تبحر الكاتب في الظروف والعوامل التي ادت الى نشوء اتفاقية بريتون وودز وهي الحاجة الى وجود نظام نقدي عالمي لمعالجة الاختلالات الاقتصادية الناشئة عن الحرب المتمثلة بانهيار عملات مختلف البلدان الخاسرة في الحرب وارتفاع مستويات التضخم في اقتصادياتها مما دعا الى انعقاد مؤتمر يؤسس لهذا النظام وتم ذلك في عام 1944. ومن الطبيعي ان الولايات المتحدة حاولت من خلال هذا المؤتمر الهيمنة الكاملة على نتائج المؤتمر لوضع عملتها بديلا للذهب في التجارة العالمية إلا ان توازنات القوى داخل المؤتمر لم تسمح للولايات المتحدة من فرض هيمنتها كما كانت تطمح. في هذا المؤتمر كان يمثل بريطانيا العالم الاقتصادي جون ماينارد كينز والذي تنسب اليه المدرسة الاقتصادية الكينزية وكان كينز يمثل وجهة النظر الاوربية فيما كان يمثل الولايات المتحدة هاري ديكستر وايت ومثل هذان العالمان طرفي الصراع الامريكي الاوربي إلا ان النتيجة كانت الوصول الى حلول وسطية ترضي جميع الاطراف. كان الجميع في مؤتمر بريتون وودز متفقاً على ضرورة تجنب الفوضى والتضخم النقدي الذي حدث قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية لذا كان من الضروري الوصول الى حلول معقولة لتفادي انهيار قيمة النقود الوطنية ووقتها كانت الولايات المتحدة الامريكية تريد التأكد من امكانية قيام دول الحلفاء سواء الرابحة في الحرب ام الخاسرة بدفع ديونها سواء ديون الحرب ام اعادة الاعمار باقيامها الفعلية خاصة وان سياسة الحكومات الرأسمالية خلال ثلاثينيات القرن الماضي تعمل على تخفيض قيمة عملتها مقارنة بالعملات الاخرى.
تصميم نظام بريتون وودز النقدي ونتائجه
ان حرية التجارة بين الدول لها عملات وطنية مختلفة وتحتاج الى واسطة مهمة لنقل الاستثمارات والتجارة والمدفوعات وضمان دفعها بقيمتها الحقيقية وهذه الواسطة بالمعتاد النقود لذا كان من المهم بالنسبة الى مؤتمر بريتون وودز ان يؤكد على حرية التحويل بين العملات الوطنية مع ضمان عدم وجود تغييرات في اسعار التحويل الا في حدود ضيقة جدا وأخيرا توصل المؤتمر الى ان العملة الوحيدة التي يمكن ان تلبي الحاجات التجارية العالمية هي الدولار الامريكي حيث ان قوة
الدولار متأتية من تثبيت علاقته بالذهب اذ حدد سعر الاونسة الاوقية 1،31 غم بمبلغ يعادل 35 دولاراً وتعهدت الولايات المتحدة في هذا المؤتمر بصفتها اكبر حامل للذهب، بأنها مستعدة ان تعوض اية كمية من عملتها بالدولار و بالسعر اعلاه، وبهذا اصبح الاحتياطي النقدي للعالم هو الدولار والذي يعني ان كل دولة ستثبت عملتها مقابل الدولار طالما بقي سعر الدولار معادلا بالذهب ثابتا.ولغرض المساعدة في تطبيق نظام بريتون وودز قرر المؤتمر انشاء منظمتين عالميتين هما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كما تم وضع اسس الاتفاقية العامة حول التعرفة الكمركية والتجارة ( كات ).
الدولار والذهب والنفط
وفي الفصل الثالث يتحدث الكاتب عن الذهب الذي يعتبر احد الاسس المهمة في الاقتصاد العالمي وفي السياسة النقدية العالمية والذهب يعد من العناصر الثقيلة اذ تبلغ كثافته النوعية 0.19غم/سم3 كما يتميز بخصائص فريدة جعلته من المعادن الثمينة لعل اهمها انه اكثر المعادن مقاومة للتفاعلات الكيماوية وبالتالي من اقلها عرضة للصدأ والتآكل ويبلغ مجموع ما انتج عام 2013 (2770) طناً مترياً.
وفيما يتعلق بالقوة الشرائية للدولار بوصفه العملة الاساسية التي تحدد قيم العملات الاجنبية. فقد انخفضت العملات الاجنبية على مر السنين وخصوصا اثناء الحرب العالمية الثانية وان انخفاض قيمة الدولار بسبب التضخم النقدي في الولايات المتحدة ينعكس على العملات الاخرى في الزيادة او النقصان.وفي هذا الفصل تحدث الكاتب عن الوضع النقدي في العراق خلال فترة التسعينيات والحصار الاقتصادي مبينا ان الاقتصاد العراقي يعتمد بصورة اساسية على مدخولات النفط المصدر حيث تحول 90 بالمئة من اجمالي الموازنة.
وبين المؤلف ان السياسة النقدية التي اتبعها البنك المركزي قد ساعدت على خفض التضخم والوصول الى النسبة المعقولة بزيادة سنوية تقدر بحوالي 10 بالمئة ثم الى اقل من 6 بالمئة مع استقرار نسبي في اسعار الدينار يدور حول 1200 دينار للدولار. واستغرق المؤلف في متابعة سياسة البنك المركزي على مدى الفترة ما بعد 2003 متوصلا خلاصة بان البنك المركزي كان موفقا في مراقبة التضخم وتثبيت سعر الدينار مقابل الدولار والتدخل والسيطرة عليهما عند الحاجة لكنه لم يكن فاعلا في السيطرة على نسب البطالة من خلال التحكم في ضخ النقد وفي ادارة البنوك التجارية لأغراض التنمية.
ظهور اوبك الى الوجود
كانت الشركات النفطية هي المتحكمة في الانتاج وفي تحديد الاسعار لهذا قررت شركة ستاندارد اويل اوف نيو جرسي (اكسون) في 9/8/1960 تخفيض الاسعار المعلنة بمقدار 14 سنتاً للبرميل وتبعتها الشركات النفطية في هذا التخفيض وفي غضون ساعات من هذا التخفيض قام وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي المعروف بعدائه للشركات النفطية بإجراء مداولات مع وزير النفط الفنزويلي وبعد شهر من انخفاض اسعار النفط، رفعت الشركات غصن الزيتون ورفعت اسعارها من 2 -4 سنتات للبرميل إلا ان الاجراء الأكثر حزما هو ما اتخذ في بغداد بعد ثورة تموز المجيدة بناء على دعوة من بغداد اذ اجتمع ممثلو الدول النفطية الرئيسية:السعودية والكويت وفنزويلا وإيران، بالإضافة الى العراق وحضرت قطر كمراقب وأعلن في 14/9/1960 تشكيل منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) لتتولى الدفاع عن اسعار النفط ووضع نظام للإنتاج بين الدول الأعضاء وبعد تشكيل المنظمة دخلت عمليات الانتاج والأسعار في ثلاث مراحل اسماها المؤلف الصدمات فالصدمة الاولى تمت في عام 1971- 1973 اذا ازداد سعر البرميل الى 11،65واتخذت اوبك قرارا في ان يكون السعر 23 دولاراً للبرميل وفي هذه المرحلة تم تغيير وزير النفط السعودي ليصبح احمد زكي اليماني بعد عبدالله الطريقي نزولا عند رغبة الشركات النفطية وضغط الحكومات الغربية وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا.اما الصدمة الثانية فكانت بعد الثورة الايرانية التي استمرت حوالي السنة انخفض على اثرها انتاج النفط الايراني وارتفعت على اثرها الاسعار بين10 - 20 فوق الاسعار الرسمية المعلنة. اما الصدمة الثالثة فكان سعر النفط المعلن هو 34 دولاراً. وفي هذه المرحلة اتخت اجراءات عديدة لزيادة كفاءة استخدام الطاقة باستخدام الفحم الحجري والغاز مما ادى الى خسائر النفط لبعض مواقعه وتوسعات في الاستخدامات النووية يضاف الى كل ذلك انتاج النفط من بحر الشمال وبذلك خفضت اوبك من اسعارها لتكون 29 دولاراً بدلا من 34 دولاراً للبرميل.
العولمة المعلوماتية
في الفصل الرابع والأخير اتجه المؤلف للإبحار في عالم اخر ألا وهو العولمة المعلوماتية قدم فيه وصفا لخطواته الاولى في خوض غمار هذا العالم مستعرضا سيناريو سنودن والمعلومات الخطيرة التي سربها والممنوع والمسموح من المعلومات التي يمكن تسريبها ودور القضاء في هذا المجال خاصة في الولايات المتحدة الامريكية. كما قدم وصفا لمراحل تطور تكنولوجيا المعلومات واستخداماتها المختلفة وأخطرها الاستخدامات العسكرية، بالإضافة الى الاستخدامات الاقتصادية ويختتم هذا الفصل بالقول ان الغرض من تناول هذا الفصل لمساعدة القارئ على القاء نظرة اولية على العولمة الليبرالية الجديدة. ان المعلومات الثرية التي قدمها الكاتب في كتابه ذي 374 صفحة والمعلومات الغزيرة التي تضمنها الكتاب تجعل منه مصدرا لا غنى عنه بالنسبة لمتتبعي السياسات النقدية واقتصاديات النفط.