مدارات

هل يسمع المسؤول؟ .. *دولة حديثة أم مجمّع عشائر؟

كنا عشائر، نعم. وقبل أن نكون عشائر؟ كنا افضل، لم يذكر لنا تاريخ العراق القديم اسماء عشائر. كانوا شعوباً، بشراً تجمعهم ارض وحاكم أو ملك وقانون يعرف الناس مفرداته. هكذا كان السومريون وبعدهم البابليون وبعدهم...! لا عشائر.
وفي الدولة الحديثة لا يُلَقب الناس او يعّرفون بعشائرهم. هم ليسوا بدواً. هم متحضرون، حضر والالقاب بمدينة او مهنة او لشخصيات مهمة في التجارة، في الصناعة واحياناً في نوع من الزرع! وعندنا مثل هذه قبل العاصفة الترابية. لنا عوائل الخياط، البقال، الباچچي، الرواف، الحافظ، الغنّام، الچادرچي... الخ. لم نعد بدواً!
احترام الاصول واجب لطيف، لكنا لم نعد عشائريين، صرنا في مجتمع مدني فيه اطباء ومهندسون وقضاة ومدراء واصحاب مؤسسات ورجال احزاب سياسية. ومن مقارنة عدم الانتساب العشائري في الحضارات وفي العالم اليوم، يُفترض انعدام الانتماءات العشائرية والتسميات بها. لكننا على خلاف ذلك، العشائرية حاضرة في كل مفاصل الدولة ولها قانونها وأعلامها او راياتها. أكثر من هذا استغلال الخلق العشائري الكريم في متابعة الخلافات والخصومات وحتى الانتقامات بأشكال دموية، مثل الخط باللون الأحمر: مطلوب عشائرياً، دم . دم!
هذا يعني انتكاسة للقانون وللمدنية ولكيان الدولة. هذا يعني لسنا دولة حديثة بل لا نريد ان تستكمل دولتنا مقوماتها. غيرها، داخلها، قوى اخرى تتحكم وتهدّد وتنتقم، ولها قواها التنفيذية! العشيرة تقول: هذه الدار واصحابها تحت التهديد. دم!
العشيرة التي اصدرت الامر البشع والمعيب لها علم يخصها ولها رجالاتها المسلحون. الناس لا تستعين عليها باجهزة الأمن والداخلية، هي ايضاً تستعين بعشائرها!
هذه مسألة بدائية مرعية لا بد من تحديدها باجراءات حديثة. نحترم العشائر، هذا واقع محلي، ولكن الدولة هي التي تحكم وقانون الدولة هو الذي يسود. استسهال الامور وترك العشائرية تتحكم بالمدنية، والعشائر مسلحة، هذا يعني لسنا في دولة، لا قديمة ولا حديثة!
الحكام المستبدون هم الذين غذّوا العشائرية وامدوها بالسلاح والمال، ليوظفوها ضد خصومهم او في الحروب. وبعد التغيير السياسي صارت اصواتاً انتخابية، فعادت الصلات والهبات والسلاح. ما عادت الاهداف المعلنة للمرشحين هي التي تجتذب الناس، ولكن صاروا يذهبون للانتخابات عشائر. وهنا صعب ان تبعد الرشوة عن الشيوخ ورؤساء الافخاذ.. مسألة محيّرة: اننا نؤسس جامعات تمنح الدكتوراه في القانون وفي الطب والانسانيات، والعشائر تحكم البلاد.
في الاخير، انا أسأل وزارة الداخلية، والاجهزة الامنية كلها: ما هذا الصمت واللامبالاة ودورياتكم ومفارزكم تمر على بيوت مكتوب على أبوابها وأسيجتها بالأحمر:
دم . دم . مطلوب عشائرياً!
لماذا لا تحققون وتتابعون عن كثب هذا ومن يقف وراء هذه الكتابات المخيفة والمعيبة، وتتخذون الاجراءات الرادعة التي تحسم الظاهرة؟
أليس واجباً ان يتعلم الناس ان هناك دولة وقانون، وان الدولة لا غيرها مسؤولة عن سلامة الناس واسترداد حقوقهم إن كان لهم حق؟
المفروض ان يقدَم هؤلاء المتجاوزون للمحاكمة ويعرضوا في التلفزيون الرسمي لنقطع دابر الظاهرة، ونعلم الناس احترام الدولة وقانونها الرسمي. هذا لصالح الناس افراداً، كما هو لصالح الدولة.
غير معقول ما نراه في دولة حديثة، لها قانون وفيها شرائع سماوية ولها سفارات ورؤساؤها يتحدثون بدبلوماسية في الامم المتحدة.. فكل هذه الظواهر المشينة والسيئة يمكن ان تختفي باجراء حقيقي صارم.
راصد الطريق