مدارات

الرشوة..من اذرع اخطبوط الفساد المستشري / أسعد عبدالله عبدعلي

مع انتشار ظاهرة الفساد المالي والإداري في غالبية دوائر الدولة وغيرها من مرافق العمل الأخرى عبر العقود الثلاثة الأخيرة نتيجة الظروف غير الطبيعية التي خلقها النظام السابق من حروب متوالية وحصار عالمي وبطش بأبناء الشعب، مما مهد وخلق بيئة فاسدة ترعرعت ونمت فيها الخطيئة والانحرافات والاعوجاج في شخصية المرء، سواء كان مدنيا أو عسكريا، حيث اضمحلت قيم وأخلاقيات وتواجدت ظواهر غير صحيحة, وحصل نوع من انقطاع الجذور بين الإرث وأبناء الحضارة.
هكذا تمظهر الفساد بآلاف الصور وفي كل مكان من حياتنا.
التقينا بعض المواطنين للحديث عن الفساد وصوره، وما هي أفكارهم وتصوراتهم لتصحيح هذه الحالة الشاذة.

الرشوة عامل لتضييع الحقوق

يقول المواطن خالد جميل (موظف حكومي): الرشوة هي من أهم مظاهر الفساد المستشرية التي أراها تتسبب في ضياع الحقوق ووصول المرتشين لغاياتهم والتسبب بفساد الذمم. واليوم أصبح الكثير من دوائر الدولة تعيش بنظام الرشوة الذي يسير معاملاتها, واذا رفضت الدخول الى هذا النظام تتأخر معاملتك وتصرف أضعاف وقتك في المراجعات المذلة من دون جدوى وتخضع لأنواع عديدة من الروتين , لذا يلجأ المواطنون للتشبث بالنظام الأسرع مرغما وهو نظام الرشوة دون شك، وأضاف: اعتقد أن الخلل يكمن في غياب نظام رقابي فعال، مما سمح بنمو النظام السرطاني هذا.

واستفحلت الرشوة

ويقول المواطن صادق الموسوي: الرشوة هي مبالغ مالية تدفع في سبيل الحصول على منافع ما، وفي الكثير من الأحيان تكون وسيلة لاغتصاب حقوق الاخرين. وقد استفحلت الظاهرة لتنتشر في كل مرافق الحياة وسط فوضوية الظرف الذي عشش في كل نواحي حياتنا . والاغرب، حتى الساعين للحج والعمرة أصبحوا "يتوسطون" عن طريق نظام الرشوة للحصول على مقعد الحج! فانظر الى حجم التناقضات التي تعيشها فئة اندمجت مع نظام الرشوة واصبحت تجده حلا طبيعيا.
وأضاف: اننا ننتظر من أهل القرار الإسراع في وضع إستراتيجية بعيدة المدى لإصلاح الوضع القيمي في المجتمع . فكل يوم يمر من دون عزيمة للتغيير يعطي قوة لدوام الفساد .

غياب الضمير

فيما يوضح المواطن سعد صالح (صاحب مكتب صيرفة): الفساد لا يمكن انكاره او الزعم بعدم وجوده , فهو حالة عامة تسبح بها مؤسسات الدولة. فهدر المال العام , واستغلال النفوذ والمحاباة والمحسوبية والمنسوبية والإكراه والترغيب واستغلال المنصب وشراء الذمم وتقاضي العمولات ونظام الواسطة , كلها تندرج ضمن صور الفساد المستشري في دوائرنا الحكومية .
وبين سعد: اعتقد السبب يعود الى غياب الضمير وندرة تواجد القيم، فلا وجود للصدق وحفظ الأمانة في هذه الشبكة الوظيفية , وهنا تأتي أهمية صياغة خطة وطنية لإصلاح الوضع عبر آليات وسياسات معينة تحقق هدف الإصلاح القيمي وهذا ما نفتقده الان مما تسبب بنمو كبير للفساد.

من المدير إلى أصغر موظف!

يقول المواطن منير عبد الرزاق (موظف حكومي): صور الفساد في دوائرنا الحكومية متسلسلة من دون انقطاع بسبب ضعف الجانب الرقابي وفساد الذمم , ويبدأ الفساد من أعلى رتبة، من المدير العام وحاشيته إلى أصغر موظف , ومن يرفض الفساد يحارب ويهمش وتلصق به مختلف التهم، وغالبا ما يصفونه:"صايرلي وطني"!!.
وبين منير: أعتقد ان المال العام يعامل من قبل المدراء والموظفين معاملة المال السائب الذي لا صاحب له , مما تسبب بهدر التخصيصات سنويا ، ولهذا نحن نحتاج لقوة رقابية رادعة، والى إشاعة ثقافة الأمانة وحفظها لكي نتخلص من صورة الحاضر السيئة .

الفساد الوظيفي سببه غياب القيم الإنسانية

ترى هناء البياتي (اعلامية): أن الفساد بكل صوره، من الرشوة واستغلال المال العام والسرقة سببه غياب القيم الانسانية المتحضرة التي تحيى بها الامم , وهو داء يصيب ضعاف النفوس المنهارين داخليا، حيث يشعر أناس كهؤلاء بأنه وسط غابة وانه يجب ان يستغل الفرص حتى لو كانت على حساب المجتمع والوطن والشرع والقانون وذلك لغياب الإحساس الوطني وغياب الخوف من الله عز وجل، وكذلك عدم وجود هيبة للقانون ولا مبالاة بحقوق المجتمع . وكل هذه العلل تخلق انساناً فاسداً وجاهلاً ومتجاوزاً على كل ما يقع بين يديه.

تزوير الشهادات الجامعية.. أكبر مصائبنا

يقول الأستاذ حسن احمد الكناني: تزوير الشهادات مصيبة كبيرة حلت بالبلد، ومكنت من لا يستحق المنصب أن يصل إليه ويشغله عوضا عمن هو أكفأ وأحق منه! وحسب الإحصائيات التي تعلن في الإعلام فان هناك آلاف الشهادات المزورة, لكن آليات الكشف عنها بدائية وضعيفة ولم ترتق في جهودها إلى حجم الكارثة، ما ساعد على إدامة الفساد.
وأضاف: هناك العشرات من المدراء العامين الفاسدين والذين تسببوا بهدر المال العام نتيجة غياب الضمير والحس الوطني والجهل بالادارة، أولئك الذين تدرجوا ووصلوا الى مناصب قيادية نتيجة الولاءات الحزبية والسياسية والفئوية ونظام المحاصصة الذي دمر البلاد.
وبيّن الكناني إننا نحتاج اليوم إلى ثورة أخلاقية وطرح خطة وطنية للتغيير التربوي والأخلاقي كي يمكننا تغير الواقع السيئ.
أما موضوع الرقابة فهو من المواضيع المحزنة فتواضع الإجراءات الرقابية وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب افسد الوضع الرقابي في العراق. هذه الامور اشخصها سبب الأزمة الحالية التي نعيشها.

ثقافة الفساد وسيادتها على الواقع

يرى الأستاذ محمد عبد الحسين: أن المشاكل الاقتصادية هي العامل الأكبر لتفشي الفساد واختلال القيم, ونتذكر جيدا ان الحصار دمر الكثير وقلع جذور التراث وهشم بنيان القيم. فمع وجود نظام حكومي غير مستقر وليس بالقوي، بالإضافة لآثار اقتصادية خانقة ومتراكمة، كل هذا مهد لوجود بيئة جيدة لانقلاب القيم. فانتشرت الجريمة بكل مرافق الحياة وبشكل غير مسبوق، كالرشوة , السرقة , التزوير , الغش , التهريب. ومع توالي الأيام ومن دون إيجاد حلول "لهذه المصيبة" تجذر الأمر وانقلبت القيم وترسخت الحالة الجديدة السيئة للغاية، ما خلق إنساناً يحمل أكثر من قناع وأقرب شيء للمتلونين والدجالين .
وأضاف: اليوم نعيش ثقافة الفساد حيث يتواجد نظام متكامل لها ينتج ويعمل على اشاعتها في كل ميادين الحياة، وهذه الثقافة والنظام المنحرف عن الطبيعة الإنسانية لهما آثار سلبية كبيرة على عملية الاعمار والبناء، فالفساد ينمو مع تواجد غياب السياسات الاقتصادية الرصينة وضعف الرقابة وتخلف نظام التربية والتعليم .

وليس ختاما

في الختام ان الصورة الحالية مؤلمة وتشعرنا بمستقبل مجهول، ولا تصل الى طموحنا بالرقي والتقدم وبناء المجتمع والدولة العراقية واللحاق بركب العالم الذي يتسابق لكسب المستقبل . بسبب انتزاع القيم الأخلاقية وسيادة ثقافة الفساد . لذا يتطلب وقفة جادة وسريعة من قبل الدولة وكل الأطراف السياسية والنخب والإعلام ومنظمات المجتمع المدني. والاهم وضع إستراتيجية وطنية لعودة القيم الإنسانية للمجتمع والأفراد والتركيز على قيم التسامح والتعاون وحفظ الأمانة والصدق والتكافل. وإذا سادت هذه القيم سيتغير حال الصورة المظلمة وتشرق صورة جديدة لهذا البلد الجريح.