مدارات

لكي يعالج الخلل في تركيب الموازنة العامة / إبراهيم المشهداني

يسبق مناقشة الموازنة الاتحادية جدل واسع بين الاقتصاديين وأصحاب الشأن ممن يعنيهم الأمر سواء المخططون لها أو المعنيون بالتنفيذ ويدور هذا الجدل حول محتوى وحجم الموازنة التشغيلية ونسبتها إلى الموازنة الاستثمارية وأهداف الموازنة الاتحادية العامة. ومن الطبيعي أن لهذا الجدل ما يبرره فالميزانية الاستثمارية لا تشكل سوى 39 %من الموازنة الاتحادية السنوية لعام 2013 في مقابل 61% من الموازنة التشغيلية لنفس العام. إلا أن المعلومات الأولية تشير إلى أن نسبة الموازنة الاستثمارية في موازنة 2014 انخفضت بمقدار 3%وهذا يعني أن نسبة الموازنة التشغيلية ازدادت لتصبح 67% فيما تكون الموازنة الاستثمارية قد انخفضت لتصبح 36 %، ويتكرر هذا النهج في كل عام، وخاصة عندما يتم الإعلان عن مناقشة الموازنة السنوية، وبالرغم من بعض أوجه الاختلاف حول بعض فقرات الموازنة، لكن اتفاقا شبه تام حول قضية محورية ترتبط بحجم الموازنة التشغيلية بإطارها العام وهذا الجدل لا يخلو من الاختلاف في الرأي داخل مجلس النواب وخارجه، إذا لم نقل أن النقاش سيكون على أشده من الاحتدام حول كيفية التصرف بالموازنة التشغيلية التي سيكون حجمها فلكيا بامتياز، إذ يقدر بحسب التخمينات الأولية بمئة مليار دولار من مجموع الموازنة العامة البالغ 150 مليار دولار أي ما يعادل 174 تريليون دينار ومع ذلك تبقى الضرورة قائمة بشان التقليل من حجم الموازنة التشغيلية التي تعني حجم الطلب الاستهلاكي الحكومي الذي يشكل ضعف الموازنة الاستثمارية بما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الأسعار وارتفاع نسبة التضخم وبذلك تتشكل معادلة غير متوازنة تحمل معها مخاطر تراجع قطاعات الإنتاج الأساسية التي تعاني من الإهمال وخصوصا القطاع الزراعي والقطاع الصناعي ويظل النفط المصدر الرئيس لتمويل الميزانية العامة وإذا علمنا أن 25%من الميزانية العامة تذهب للرئاسات الثلاث والباقي الذي يشكل 75% حصة مجموع الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ما ينتج عنها اختلالات تقف حجر عثرة أمام عملية النمو الاقتصادي، في نفس الوقت الذي تشير فيه تقارير وزارة التخطيط إلى أن نسبة الانجاز للوزارات والمؤسسات الحكومية 27% فقط.
إن الرواتب تشكل الباب الرئيسي في الموازنة التشغيلية الذي يجب إعادة النظر به وهنا يجب التمييز بين رواتب موظفي الدولة وفق معيارية مقادير الرواتب والمواقع الوظيفية التي يشغلها الموظفون. فواقع الحال يشير إلى أن أعلى الرواتب تنحصر في الوظائف العليا للدولة ابتداء من المدراء العامين صعودا حتى القيادات العليا في الدولة وتشكل أرقاما كبيرة خارجة عن المألوف ولا مثيل لها في كافة دول العالم وهذه الرواتب مخصصة للرؤساء ونوابهم هذا عدا رواتب السادة أعضاء البرلمان والوزراء وعدا المخصصات الاستثنائية والمنافع الاجتماعية التي لا تعرف بها الأجهزة الرقابية. إن البون الشاسع بين مستويات هذه الرواتب ومستوى رواتب موظفي الدولة يستلزم إعادة النظر بقانون الرواتب الموحد لكافة موظفي الدولة. وهذه الفرو قات أنتجت طبقة بيروقراطية لا يهمها سوى الاحتفاظ بمراكزها وليأت من بعدها الطوفان دون أن تقدم شيئا لتطوير البلاد والعباد مما يستدعي يقظة ضمير كي تأخذ هذه الزيادات في الرواتب طريقها الى أفواه الفقراء واليتامى والأرامل وتوفير فرص عمل للعاطلين لهذا فان إعادة النظر في تركيب الموازنة العامة يجب ان تدرس من هذه الزاوية، فالموازنة التشغيلية بهذا الحجم غير المعهود لوحدها تعادل ميزانيات خمس دول في منطقة الشرق الأوسط وهذا التوسع لا يستقيم مع متطلبات تطوير البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية التي لم تتبين ملامحها على مدى السنوات العشر الماضية مما يتطلب التوجه نحو التوسع في الموازنة الاستثمارية بما لا تقل نسبته عن 50% لتحقيق طفرات نوعية مؤجلة في التقدم الاقتصادي والاجتماعي وان يصار إلى التصرف بالموازنة التشغيلية بما يحقق التوزيع العادل للثروة إذا ما علمنا أن 23%من السكان يقبعون في قوقعتهم في العالم السفلي تحت خط الفقر وان 50% من المجتمع يلتفون على هذا الخط وان مليونين من الأرامل ينحتن في الصخر للحصول على رغيف الخبز.
ولا يفوتني التنبيه إلى خطر الالتفاف على الموازنة التشغيلية من قبل حيتان الفساد الذي ختموا كل أساليب الخداع والتضليل على ظهر قلب من اجل الاستحواذ على هذه الموازنة تحت عناوين ومسميات كثيرة الأمر الذي يتطلب وضع آليات رقابية متطورة خارج أطرها الكلاسيكية التي زادت من الفساد ولم تنقص منه، تنفذها هيئة النزاهة و ديوان الرقابة المالية أو أية جهة تمتلك الصلاحيات والابتعاد عن العشوائية في محاربة الفساد، وأؤكد هنا على ضرورة والزامية تقديم الحسابات الختامية لكافة الوزارات أو الدوائر غير المرتبطة بوزارة ليس لهذه السنة وإنما للسنوات السابقة من اجل الوقوف على كيفية إنفاق ميزانياتها وأوجه صرفها سواء عند مناقشتها في مجلس الوزراء أو في البرلمان ومعالجة الخلل أن وجد. وعند دراسة الموازنة العامة في مجلس الوزراء ينبغي استحضار مطالب المحتجين في كافة المحافظات العراقية وخاصة قانون تقاعد موظفي الدولة وإعادة النظر بالرواتب التقاعدية لأعضاء مجلس النواب والدرجات الوظيفية التي تقع خارج القانون.