المنبرالحر

لو لم اكن مستقلاً لما كنت إلا شيوعياً / حسن القاضي

هذا ما افكر به منذ درست مختلف الاحزاب والكثيرين من سياسييها او المحسوبين عليها، بدءاً بالعهد الملكي وحتى يومنا هذا. ففي العهد الملكي استخدم المستعمر الانكليزي، رموزاً من الاميين الجهلة، عديمي القيم والمبادىء، فاشترى ذممهم بمنحهم مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية التي هي اصلاً ملك للعراقيين كافة، ليخلق منهم زمرة الاقطاعيين ويسلطهم على رقاب الفلاحين البسطاء المظلومين، فضمن بذلك تأييد هذه الزمرة التي اصبح لها نفوذ وسلطة فيما بعد، واتخذ منهم سوطاً ظالماً يضرب به كل من ينشد الحرية ويطالب بالاستقلال.
اما الاحزاب الوطنية في تلك الحقبة، التي رفضت الاحتلال وراحت تطالب بجلائه وتكافح من اجل الاستقلال والحرية، وفي مقدمتها حزب المثقفين والشغيلة والفلاحين المظلومين، الحزب الشيوعي العراقي، فكان نصيبها القمع الظالم والاعدامات والسجون. وبالرغم من ذلك لم يسكت هذا الصوت ولم ينقطع، بل ظل هادراً ومدوياً، حتى جاءت ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة، التي حررت البلاد وخلصت اهلها من المستعمر المحتل وكل اذنابه ورموزه. وكان الحزب الشيوعي كغيره من الاحزاب الوطنية الشريفة، مسانداً للثورة التي كان له نصيب فيها، وراح يخدم الشعب ?الوطن بكل همة وجد واخلاص، رغم البدء بتقييد انشطته بعد عام واحد من عمر الثورة المعطاء. اما القوميون والبعثيون، فقد انكشفت صفحاتهم الملوثة القذرة بعد انقلابهم الفاشي المشؤوم في الثامن من شباط من خلال ما قام به حرسهم اللا قومي من اشاعة القتل والتعذيب لكل وطني مخلص شريف، فقتلوا الآلاف من المواطنين الابرياء ممن قاوموا انقلابهم البغيض، وساندوا الزعيم الوطني ودافعوا عن حكمه. اما الشرفاء من المنتمين للاحزاب الوطنية وفي مقدمتهم الشيوعيون، فكان نصيبهم الاوفر من ذلك العمل الاجرامي البشع، حتى صرنا نحسب ان ذلك الانقلاب?الذي ساهمت به قوى الشر والاستعمار والرجعية، ومعهم من كان يريد ان يكون القائد الاوحد للامة العربية (عبد الناصر) انما جاء مخصوصاً لمحاربة والقضاء على الحزب الشيوعي العراقي، وكل من ينتمي او لمجرد تأييده له، وتعاطفه مع ابنائه الشرفاء. ولم تمض إلا اشهر معدودة، حتى اختلف المجرمون فيما بينهم، وجاءت ردة تشرين، التي انقلب بها عبد السلام عارف، المعروف بولائه المنقطع النظير لمصر وقائدها عبد الناصر، على شركائه في انقلابهم المشؤوم، ويسلبهم نصيبهم من جريمتهم التي قاموا بها.
وبعد مقتل عارف، بحادثة الطائرة التي يقال انها كانت مدبرة، وتولي اخيه الضعيف عبد الرحمن، مقاليد السلطة والحكم. استغل البعثيون ذلك الضعف فلعبوا لعبة خبيثة على عبد الرزاق النايف وابراهيم الداوود اللذين اوصلا البعثيين الى سدة الحكم والسلطة، وتخلصوا منهما بعد ثلاثة عشر يوماً فقط من انقلابهم على عبد الرحمن عارف. ومنذ الايام الاولى لتسلمهم السلطة والحكم، بدؤا بتنفيذ سياستهم الرعناء القائمة على تصفية خصومهم وكل من يعارضهم ويرفض العمل تحت اوامرهم وينفذ مخططاتهم ومآربهم الشريرة. فسالت دماء طاهرة غزيزة، خصوصاً بعد اس?غلالهم فتوى رجل دين بارز آنذاك، يكفر فيها الشيوعيين، فراحوا يقتلون الناس، لا لذنب اقترفوه بل لهواية القتل التي ولع بها البعثيون القتلة المجرمون. وبعد ان استتب لهم الامر وصار بيد الطاغية المقبور، الذي بدأ بتصفية خصومه ومخالفيه من القيادات في حزبهم المجرم، ليتوجه بعد ذلك لتصفية الشيوعيين الذين لم يرق له بقاؤهم لسببين: الاول كونهم مثقفين وطنيين مخلصين يرفضون قيادة جاهل مجرم عميل لبلدهم العزيز، ثانياً سياسة اسياده الذين ساندوه واوصلوه الى السلطة، والتي تقضي بعدم ابقاء هذه الشمعة متقدة تنير الدرب لعشاق التحرر والخلاص من التبعية للغرب.
استمر مسلسل القتل والتعذيب والتهجير لكل الوطنيين الرافضين لسياسة الطاغية وحزبه وحكمه، حتى جاء الفرج والخلاص منه ومن ازلامه المجرمين، فاستبشر العراقيون خيراً وأمَّلوا ممن كان يدعي المظلومية او ذاق الظلم فعلا، إنصافهم ونشر الامن والامان بين الناس، ولكن ( لعن الله لكن) خذلنا هؤلاء الذين كنا نعدهم النخبة الخيرة التي يقتدى بها والانموذج المتميز، الذي يبني الوطن ويرتفع به الى ما يستحقه، إلا اننا صدمنا بهم، وخيبوا آمالنا وخصوصاً بعد قبولهم بسياسة المحاصصة الطائفية البغيضة، نهجاً لسلطتهم وحكمهم، السياسة التي صهرته في بودقتها وانستهم كل القيم والمبادىء الخيرة التي ناضلوا من اجلها وكافحوا الظلم والظالمين سنيناً طويلة، ولم يعد يهمهم من امر العراقيين المظلومين اي شيء، فصبوا كل جهدهم وهمهم على توطيد مواقعهم في السلطة واستغلالهم تلك المواقع في الاستئثار بالمال العام، ولم يكتفوا بالامتيازات الخيالية التي حصلوا ويحصلون عليها بمختلف الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة، تارة خلف ستار الدين او المذهب، واخرى خلف ستار الوطنية وخدمة المواطن التي لم ير منها إلا النزر اليسير، رغم العهود والمواثيق التي قطعوها للمواطنين ضمن حملاته? الانتخابية السابقة، وهو ما سيفعلونه في حملتهم الانتخابية المقبلة، ولكن لم يعد شيء خافياً على العراقيين الذين يوصفون بانهم "مفتحين باللبن" والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. اذاً علينا ان نميز هذه المرة، بين الصالح والطالح، بين من يعمل بصمت وجد واخلاص ومن ديدنه التهريج والتصريحات الكاذبة ولم يقدم شيئاً ينفع الناس. وها هي الانتخابات المقبلة على الابواب، وسيبدأ المخادعون حملاتهم الانتخابية الجديدة، طافحة بالوعود الكاذبة والآمال العريضة ومشفوعة بالرشاوي التي لا ينخدع بها إلا الجهلة والذين لا يهمهم سوى الحصول على ا?مكسب الآني الذي لا يخدمهم إلا لايام معدودة، ليعودوا من جديد الى بؤسهم وشقائهم. اما اذا احسنا الاختيار وانتخبنا من يخدم مصالحنا كل يوم ويعمل من اجل اسعادنا ورفاهنا دون كلل او ملل، فهو الاحق والاجدر بان ننتخبه ليمثلنا تمثيلاً صادقاً في المجلس المقبل.