المنبرالحر

الموازنة الاتحادية في غرفة الإنعاش / إبراهيم المشهداني

لا احد من الاقتصاديين، كما أظن، أو من المهتمين بالشأن الاقتصادي ينكر ان الاقتصاد العراقي يكاد يلفظ أنفاسه لا لأنه يفتقر إلى الموارد المالية فهذه متاحة بسبب التركيز على إنتاج وتصدير النفط ولكنه يفتقر إلى الموارد الاقتصادية التي تنعشه بمعنى تعطل نشاط القطاعات الاقتصادية الإنتاجية خارج إطار البترول، بل لان السياسة بالواقع هي التي تتحكم بالاقتصاد من طرف واحد إي بمعنى توقف فاعلية العديد من القوانين الاقتصادية موضوعيا ولجم إيقاعاتها في الحياة الاقتصادية فيبدو أن السياسة هي تعبير مكثف عن الاقتصاد كم هو معروف قد انقلب هرمها فأصبح الاقتصاد في بلادنا تعبير مكثف عن السياسة و تخبطاتها.
وكما هي الحال في كل عام وحينما توضع الموازنة على طاولة البرلمان تكشر كافة الكتل النيابية عن أنيابها لتهمش بدون رحمة هذه الموازنة وكأنها مائدة طعام إمام السادة النواب كل يتربص بطريقته لكي ينتزع حصته. مشاريع تتوقف وهي في منتصف الطريق وأخرى يوقف تنفيذها والوزارات تتسمر في مكانها لا تستطيع ان تفعل شيئا، أوان تفكر في شيء يمكن أن يطور او يحسن مسارها وشعبنا المسحوق مبتلى بجوعه وفقره وساحات المدن تعج بالسائلين والسائلات , نساء ورجالا, و الذين يمدون أيديهم بكرامة ملقاة على الرصيف، لمن يتصدق عليهم من المحسنين.
فلماذا تتكرر هذه المنقبة في كل عام وبدلا من ان تقر الموازنة قبل انتهاء العام وهو الوقت المثالي لتحقيق الأهداف الاقتصادية المبتغاة منها إلا وتدخل في أزمة لا تخرج منها إلا بعد عدة أشهر وما يترتب على هذا التأخير من تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية إلا إذا تدخلت قوى معينة من الداخل أو من الخارج لتصلح ذات البين وكان السادة البرلمانيين لا يدركون الحاجة الماسة للمصادقة على قانون الموازنة .وهذا العام يشهد إقليم كردستان أزمة سيولة نقدية حرمت العاملين في الإقليم من رواتبهم وفي مفارقة قل نظيرها تأتيهم النجدة من أغنياء الإقليم في حل مؤقت لهذه الأزمة وكان الحكومة المركزية غير معنية بالإقليم الذي هو جزء من الدولة العراقية بصرف النظر عن رؤية الإقليم المثيرة للجدل بشان أسلوب الاستثمار في قطاع النفط، نتيجة لخلافات يبدو أنها عصية على الحل بين حكومتي الإقليم والمركز وإصرار الطرفين على التمسك بمواقف تتعسر يوما بعد أخر دون أن يقدما تنازلات متقابلة مقرونة بنوايا حسنة وهذا هو السبب الأول في تأخير إقرار الموازنة كما ان الحكومة وهي ترسل الموازنة إلى البرلمان تظمنها كل ما هو مختلف عليه كورقة ضاغطة لسحب الطرف الأخر إلى مواقعها وهذا السبب الثاني للازمة، والتركيبة الطائفية في البرلمان أنتجت خلافات عميقة بين الكتل الممثلة فيه وبدلا من البحث في إطار الشرعية الدستورية عن الحلول للازمات راحت هي نفسها تخلق الأزمات وتعمقها حتى يصبح الحل ميؤسا منه فتلجا بعض هذه الكتل إلى الانسحاب من البرلمان في ظروف اشد مساسا بحياة الناس وأمنهم ومعيشتهم في مسعى لإسقاط الطرف الأخر سياسيا والنقاء الكرة في ملعب الحكومة متناسية أنها جزء من التشكيلة الحكومية بل جزء هام وأساسي لا تستطيع معه ان تبرا نفسها بأي شكل من إشكال عن سوء الأداء الحكومي وإظهار نفسها بمظهر الطرف المغدور وهذا هو السبب الثالث . كل هذه الأسباب اجتمعت لتحيل الموازنة إلى غرفة الإنعاش . هذا إلى جانب الملاحظات الأساسية على هيكلية الموازنة التي تتكرر في كل عام من قبيل غياب الحسابات الختامية مما يبقى على الفساد معششا في مؤسسات الدولة ناهيك عن غياب التوازن في التخصيصات المالية وجهات الإنفاق ودلالاتها في توزيع غير منصف للثروة بما يؤدي إلى زيادة الأغنياء غنى وزيادة الفقراء فقرا وغيرها من الملاحظات وهي كثيرة لها مكان آخر في البحث والتحليل.
إن الوقت يمضي بسرعة وهو اخذ بالنفاد وان الأوضاع السياسية والأمنية تتفاقم مما أصبح مصير البلاد على كف عفريت ان لم تراجع الكتل السياسية مواقفها وتتخلى عن تمترسها وراء مصالحها السياسية الطائفية وتوظيف خلافاتها لأغراض انتخابية وهي أهداف ذاتية لا مصلحة لشعبنا وبلادنا فيه لكي لا ينفلت الوضع ويخرج تماما عن السيطرة وفي ذلك الحين تصبح الموازنة وألغامها شيئا من التاريخ وفي مثل هذه الظروف لا سامح الله الكل خاسر . كل هذه الأوضاع إذا ما استمر التعنت في مواقف الإطراف السياسية الحاكمة ستضع الموازنة إمام خيارين أحلاهما مر إما أن يصار إلى التوافق السياسي نتيجة ضغوط معينة وتبقى الموازن تحتفظ بكامل إمراضها أو تستمر الأزمة السياسية وتتأخر الموازنة إلى ماشاء الله ويصبح الاقتصاد ميتا سريريا .