المنبرالحر

هل سيكون الصيف باردا؟ .. في ذكرى استشهاد ظافر عبدالسادة / شامل حمد الله

ظافر عبد السادة او احمد عرب، شيوعي عراقي، قضى شهيدا بكمين نصبه جهاز الامن البعثي، فساح دمه ببيخمه بكردستان.ظافر هو احد الانصار الذين انطفأت اعينهم وسط سحاب الغبار الذي غلف مستقبل العراق في الثمانينيات.
كنت ازور جدتي التي كبرت عندها، والتي لا تعلم حتى اليوم ان اكبر اولادها الذي غادر جو العائلة، لم يستقر إلا شهيدا في المناطق المحررة من كردستان التي كانت تؤوي خيما للمعارضين.
ولا تزال جدتي حتى اليوم وحتى بعد ان اقعدها زمن المرض او مرض الزمن تتنظر - وان في خدعة يبتسم فيها الحظ ولو لمرة - ان يعود لها ظافر ليبدي لها العذر عن تركه لها، لتعوضها هي بالبكاء والشعر الشعبي بلحن الحزن.
ليس العنوان بعيدا عن المضمون، و ليست عجلة الزمن إلا ظالمة قاسية!
لا تستغرب ابدا ولا تستغربي ان قرأتي ما طلبته مني اخت الشهيد التي التاعت من فقد كثير يجعل الانسان بين انتظار الرحمة والعتب على الزمان وتقسيماته!.
لم نكتشف استشهاده الا بعد 2003، وفي بالحقيقة كنت اعلم بذلك بحكم اني غادرت العراق معارضا، ومقاتلا في تلك المناطق، وهناك وبالصدفة عرفت النبأ، ولم اوصله، وعدت واخفيت، فلست اقدر على اضافة الالم لتلك العجوزالتي رشف الكل من حنوها علينا.
هي جدتي، وظافر خالي، وقد بات ليلة خروجه في بيتنا قبل عيد الاضحى بيوم من العام 1982.
الخميس الماضي مرت على استشهاده ثمان وعشرون سنة، فيها اتسعت العائلة وقلّت، ولد لها جدد، ورحل منها قدماء، وبقيت قصة ظافر كجمرة على جلد، ما ان تمسها حتى يسهرك الالم.
زرت جدتي المتعبة، وقد هزل جسمها، قربت من النشفان عروقها، وبين مرارة الكبر والعجز، تذكرت ابنها البكر الذي ماعادت تسأل عنه امامنا، ربما لاعتقادها انه وعما قريب ستجد الاجابة في عالم آخر يوفر الرد على السؤال.
ولكوني آليت على نفسي ألا اكتب بما يوحي بالشكوى من قصور في العمل، وجدت ان العائلة التي فقدت ابنها في عز سطوة البعث تطلب ان اكتب عن صاحب مولد الكهرباء في الحي الذي يقطنون به ببغداد، فخلال قرابة الثلاثين عاما من رحيل ظافر، ذلك الرحيل الصامت، تقاعد من العمل من يعيل الاسرة، وبات لزاما عليهم الاقتصاد في الانفاق، صحيح ان الحال مستور كما يقال ولله الحمد، الا انه لمن الصعب ان يذكر موضوع رحيله متبعا بالشكوى من ان صاحب المولد يضع تسعيرة نسمة باردة تصل الى اربعة عشر الف دينار للامبير الواحد!.
اقطعوا خط التجهيز. قلت لهم.
قالوا ومن يضمن ان الصيف لا يحرق، وقد هدد صاحب المولد انه لن يقبل اشتراكنا ان تركناه.
كانت الصورة اشبه بمشهد من مسرح جاد لكنه ليس مفرحا ابدا.
هل هذه هي مختصرات الحياة، و اية مرحلة من الحياة؟
انها خريف العمر بالنسبة لأم واهل شهيد، آثروا احياء الذكرى بطلب النجاة من سطوة متربح قد يقطع عنهم الطاقة اذا دفع الصيف مخزون ناره اللاهبة.
اترى ان ظافرا وقد اسلم عينه للرصاص، وضع في آخر رؤياه ان تكون رغبة الاهل له رغبتين، الرحمة والصيف البارد؟
ـــــــــــــــــــــــ
«الصباح» 19 نيسان 2014