المنبرالحر

سماد صديق للبيئة/ د. علي الخالدي

لا أدري من أين جاءت زوجتي بفكرة صناعة سماد صديق للبيئة، من ما كنا نرميه في صناديق جمع النفايات، لتتنظر يوما محددا في اﻷسبوع لتنقل فيه الى مجمع النفايات ، ليعاد تصنيعها . لقد إقتنعت بفكرتها خاصة وإنه سيكون سماداً خالياً من مواد و عناصر كيمياوية و صديقاً للبيئة، نسمد به خضرتنا الصيفية والشتوية، وأشجارنا المثمرة عوضاً عن السماد الكيماوي، كما ستخلصنا هذه الفكرة من عفونة قشور وبقايا الفواكه التي نرميها مع بعض النفايات، علاوة على أنها ستوفر لنا دراهم غير قليلة كنا ندفها لشراء السماد الكيمياوي، والشتلات من اﻷسواق، ناهيك من أننا سنتناول خضار وفواكه غير مسمدة بالسماد الكيمياوي.

لهذا الغرض أصرت على عدم رمي ثلاجة لفضت أنفاسها اﻷخيرة في اﻷماكن المخصصة للأدوات المستهلكة، طالبة مني أن أخرج جميع أحشائها، لتصبح صندوقا ، ومن ثم واصلت طلبها ، الذي تناغم ورغبتي في الحركة بعد ساعات من الجلوس أمام ، مسبب السمنة ، ومراكم الشحوم في الجسم، الكمبيوتر اللعين، صديق المتقاعد ونديم مهوسو الفيسبوك ، بأن أحفر حفرة في أحد اﻷركان الخلفية للمنطقة المخصصة لزراعة الخضروات ( طبيعي العراقية ) على قدر طولها ، وان أقبر ثلثا جسمها الممتد في الحفرة على أن يظهر باقي ثلثها فوق سطح اﻷرض ، لنستطيع فتح بابها وإغلاقه ، قمت بذلك وأنا فرح ﻷن الجهد الذي بذلته خلال عدة أيام ، قد حَرَق ما كان طريقه للخزن في الجسم.

بدأنا نرمي ما تجمع من قشور وبقايا الفواكه والخضراوات مع بذورها وحشيش حديقة الجلوس عند حلاقته، عدا أوراق الجوز والدفلة واليوكالبتوس , فهي ضارة لنبتات الخضرة واﻷشجار المثمرة كما هو معروف ، في بطن الثلاجة وبين فترة وأخرى ، أقوم بخلطها وأقلبها مع كل جديد يرمى ، أما قشور البصل فتنقع بالماء لفترة وتوضع على حافات المربعات المزروعة ، لتمنع القطط وبعض الحشرات الضارة من الدخول الى حقل الخضرة.
بعد فترة يتحول ما رميناه في بطن الثلاجة الى تراب أسود مملوء بالفيتامينات ، تسبح بداخله دودة اﻷرض المفيدة، نأخذ منها ما نحتاجه ﻷغراء السمك في البحيرة القريبة من منطقتنا ، الذي تنظره النار لتحوله الى سمك مسكوف يومي اﻷربعاء والجمعة من كل إسبوع ، نتناوله على أنغام نافورة البحيرة الصغيرة التي يتجول بها سمك الزينة.
عند الحرث ننشر هذا التراب أو باﻷحرى السماد ، في المربعات التي خصصت للخضراوات، كحقل البامية والخيار والباذنجان والكراث والكرفس والخس والطماطم والبطاطا والباكلة، بعد فترة ظهرت لنا كمية من شتلات بعض الخضروات كالطماطم والخيار والرقي والفلفل حتى شجيرات رمان في اﻷرض المسمدة بالسماد الصديق للبيئة، فنقوم بتوزيعها في اﻷماكن المخصصة لكل نوع، وما يتبقى نقدمه هدية للجيران واﻷصدقاء ، وبصورة خاصة شجيرات الرمان التي أعتقد أن المرحوم جبران الياسري أول من أدخل زراعتها الى المجر. حيث أهدى لنا شجرة رمان مثمرة ، لكن ثمرها حامض يصلح للفسنجون والسلاطات ( المجريون لم يتعرفوا على الرمان إلا في السنوات اﻷخيرة ) ، وهكذا إنتشرت هذه الطريقة بين سكان منطقتنا ، خاصة وهي تتكون من بيوت ذات مساحات تستغل للزراعة في محيط المدن وزعت على المواطنين بالمجان في العهد اﻷشتراكي وكان لها مردود مادي وإجتماعي بدأ يفقد بريقة ، بعد التحول الى نظام السوق ، حيث بدأ أغنياء المدن ورعايا السوق اﻷوربية بتقديم عروض مالية مغرية لشراء هذه البيوت، أو جزء منها، سيما بعد حياة التقشف التي صاحبت هذا التحول، وعسر اليد لدى أغلبية سكان هذه البيوتات، و غياب القدرة على تسديد فواتير الماء والكهرباء والتدفئة . بعد أن كانت شبة مجانية في زمن اﻷشتراكية
وبهذه الطريقة إستطعنا أن نوفر أمورا كثيرة منها عدم شراء شتلات وسماد من السوق والسماد، وأصبح إنتاجنا من الخضر والفواكه، التي تحسنت نوعيتها، وطاب طعمها، واﻷهم من ذلك ، هو تناولنا خضرة طازجة لم تُغذ بسماد كيمياوي، علاوة الى إنني أشغل وقت فراغي بشؤون الحديقة ، فتزداد حركتي وتُحرق السعرات الحرارية بدل من خزنها في الجسم ، وللعلم نزل وزني منذ تقاعدي نهائيا في قبل ست شهور أربع كغم ، بسبب ما الزم به من الحركة في سني التقاعد التي تعتبر سني خمول، ترتفع بها الكروش ، وتضيع فيها فرص الحركة و إمكانية سد الفراغ . ولكن بعد فكرة الزراعة وتحضير السماد أصبحت أتضجر من قلة الفراغ ، حتى بعض اﻷحيان أتعدى على حقوق وقت المشي والقيلولة ﻷنجاز ما لم ينجز من عمل في الحديقة . تجربتنا هذه رحب بها العديد من زملائي اﻷطباء الذين إحتاروا بكيفية قتل أوقاتهم ، وقسم منهم طلب مساعدتي في العثور على بيوت للبيع ، هروبا من مركز المدينة وهوائها الفاسد وضجيجها المزعج الى محيطها ، حيث الغابات والشوارع ، تزينها أشجار الزينة والمثمرة ، وخاصة في الربيع.