المنبرالحر

الفقر.. وخط الفقر! / ريسان الخزعلي

في قاموس مفردات الحياة اليومية، لا توجد مفردة أمرّ من مفردة (الفقر)، ولا وصف أوجع من وصف الذين طالهم الفقر، ولا مشهد يومي يدمي الضمائر والقلوب النبيلة، مثلما يدميها مشهد الفقراء في عيشهم وسكنهم وملبسهم وصحتهم. ولكون مفردة (الفقر) كانت بالاساس ذميمة الى الحد الذي اصبحت فيه تضاف الى مضافات إليه، في تلميح صريح يشير الى تدهور هذه المضافات إليه، كأن نقول (فقر الثقافة، فقر المنطق، فقر الدراسة، فقر المنهج..الخ). او حتى بالتوصيف (ثقافة فقيرة، دراسة فقيرة، مناهج فقيرة، جلسة برلمانية فقيرة..الخ).
وعن الفقر، كان الاعتقاد سائداً في العديد من الدراسات خلال القرن التاسع عشر، بان سببه يعود الى كسل الانسان نفسه، وعدم رغبته في العمل، كما ايقن المفكرون في ذلك الوقت بان الاجراءات المتخذة لمحو الفقر من المجتمع لها نتائج خطيرة وسلبية، إذ انها تشجع الكسل وعدم الرغبة في العمل، نتيجة المساعدات المالية التي كانت تقدمها الكنيسة للأشخاص الفقراء. كما ان مفكرين اعتقدوا، بأن من المستحيل إلغاء الفقر والقضاء على المشاكل التي يسببها للمجتمع، لأن من المستحيل توزيع الدخل القومي توزيعاً متساوياً على الافراد، طالما ان هناك اختلافات بينهم في الحرف والاعمال والمواهب الادراكية والذكائية والقابليات الجسمانية، كما جاء في معجم علم الاجتماع.
ولقد اوجد الباحثون الاقتصاديون بعد دراسات مستفيضة، اصطلاحات لتحديد مستويات الفقر بخطوط مثل (مستوى خط الفقر، فوق خط الفقر، تحت خط الفقر)، وان كل من لا يستطيع الحصول على متطلبات الحياة الاساسية كالمواد الغذائية والملابس والسكن، فهو يعيش تحت خط الفقر، وان الخطين الآخرين يأخذان توصيفهما من هذا المعنى بالتناسب. كما ان هؤلاء الباحثين قد وضعوا مقترحات حلول، الا انها لم ترق الى مستوى الحلول الناجعة لمشكلة الفقر، كون الطوق الرأسمالي يقيد توجهاتهم، على عكس الفكر الاشتراكي، الذي يأخذ بحسابه مبادىء العدالة في توزيع الثروة على أسس علمية انسانية متماهية مع الفكرة الجوهرية « من كل حسب طاقته، ولكل حسب حاجته». وكل ذلك يحصل، كون الانسان اثمن رأسمال في جوهر هذا الفكر، الا ان الرأسمالية ببريقها التكنولوجي المغري، سعت جاهدة لتطويق الفكر الاشتراكي في منابعه، من خلال افتعال الازمات المتنوعة (حروب، حصارات، تكتلات اقتصادية، تفكيك دول، خصخصة) حذراً من انهيارها الحتمي الذي تنبأ به الفكر الاشتراكي، واقرب دليل على ذلك ازمة المصارف في امريكا التي عولجت بالحل الماركسي.
مناسبة هذه الاشارة، ما تنشره الامم المتحدة من تقارير عن الفقر وخطوطه في بعض الدول، ومن المؤسف ان يكون بلدنا العزيز من بينها. فإذا كان ذلك البعض محدود الموارد اساساً، فان مواردنا لها من الامكانية ما يزيح كل الخطوط الى الاعلى. الا ان السؤال يبقى قائماً: لماذا يحصل ما يحصل؟
وبالعراقي، وكأني بلسان الفقير العراقي:
(عمي ذنّي خطوطك الثلاثة بالعراق إطبگهن خط واحد، اسمه خط الفگر، إو سوينه خط ثاني إسمه خط الشبع للزردوم!)