المنبرالحر

كيفن كلوس / قيس قاسم العجرش

بدأ الحديث على أسماعنا بتمجيد فكرة(الحقيقة المطلقة) في النقل الإعلامي والإخباري، وأن الأخبار الملفقة أو المحوّرة إنما يمكن مواجهتها بأخبار أخرى اشد مصداقية وأكثر شفافية.
كان المُتحدّث يجهل أن بين الجالسين واحد من أشهر مراسلي العالم، (كيفن كلوس 80 عاماً) عمل منها لأكثر من ثلاثين سنة لصالح راديو أوروبا الحرّة ولم تبق على وجه الأرض بقعة نزاع إلا واشترك في تغطية ما بشأنها.
ومن أجل أن يُضفي المتحدث مصداقية على كلامه تعرض للتغطيات الإخبارية المتعلقة بحروب الخليج/ 1،2،3.كما ذكر جملة جان بودريار الشهيرة بأن"حرب الخليج لم تقع!"إنما الذي رأيناه وأدركناه هو صورة محطة (سي أن أن) التي نقلتها عن حرب عام 1991، ولو كان المُتحدث وهو صحفي كندي ذو خبرة في تغطية النزاعات قد وقف عند منفذ صفوان في تلك الايام السود لما شاهد بقدر ما نقلته(سي أن أن)عن الحرب.
كيفن كلوس أمسك بتلابيب هذه الفكرة وتحوّل الى شرح مفهوم آخر يجري في الإعلام،وهو الحقيقة(الممكنة). لا يمكن أن نتجاهل جمهوراً هو بالأصل غير راغب في معرفة الحقيقة التي تنحرف عن مزاجه الأصلي.
ولهذا شواهد، ففي الحرب الأميركية على العراق 2003 والتي انتهت بعد 8 سنوات بالإنسحاب ، لم يبحث الجمهور الاميركي عن صور للأشلاء والجثث ولم تنشر الصحف والقنوات الاميركية إلا القليل القليل من هذه الصور والسبب هو أن الجمهور تقبّل فكرة عدم الرغبة بمعرفة التفاصيل وهو أمر يمارسه أوباما اليوم بشكل من الأشكال.
يحمل الآن جو بايدن كل أوراق البيت الابيض المتعلقة بالعراق في طائرته ويدور من اجل وضع الحلول ليجنّب الرئيس الخوض المباشر في المسألة العراقية بالرغم من حتمية المسؤولية الأميركية(وليس التفضّل فقط) بحماية العراق دولياً.ومع هذا اضطر أوباما الى الخروج عن(إهماله)المتعمد للمسألة العراقية تحت ضوء حكمته السياسية التي تقول:(هذا ما يرغب به الجمهور)!.
أوباما وإدارته قدموا الى الجمهور الاميركي نوعاً مما وصفه كيفن كلوس بالحقيقة الممكنة، وهي الحقيقة التي تلاقي رواجاً بين المزاج الشعبي، وإن كانت وسائل الإعلام معذورة في هذا السلوك باعتبار خضوعها لرغبات المستهلكين ، فما هو عذر الإدارة الأميركية ؟!.
صحيح ان الجنود الأميركيين ليسوا مليشيات نطلبهم متى ما شئنا ونلعنهم للخروج متى ما أحببنا، لكنهم يسكتون عن استفحال المخاطر التي تتسلل الى العراق حتى خارج حدوده، لو خصصوا شيئاً من انشغالهم بردع إيران لردع أردوغان على سبيل المثال لما وجدت داعش اعشاشاً مليئة بالعقارب الجاهزة للأكل كما هو الحال الآن.