المنبرالحر

توظيف العامل النفسي في تحقيق الانتصار على الارهاب / كاظم فرج العقابي

مهما تعددت الادوار التي يؤديها الانسان في الحياة الشخصية والمهنية، يبقى العامل النفسي هو المحرك الاساسي لنجاحها او فشلها، فالمؤسسات العسكرية اليوم تركز اهدافها على صحة افرادها النفسية وتعمل باستمرار على رفع معنوياتهم، فالعسكري طاقة متقدة بمعنويات يشعلها الاستعداد الدائم للدفاع عن الارض وحماية حدود الوطن، وتسهل التضحيات، ولا خوف او يأس او تراجع اما المصاعب والصدمات والحروب النفسية التي يشنها العدو لتضليله او للنيل من صموده وتفكيره الايجابي.
فالمليارات من الدولارات التي توظف اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وعسكريا من اجل تحقيق النصر، لاتجدي نفعا بعيدا عن توظيف العامل النفسي لخدمة الهدف الاسمى الذي هو تحقيق النصر على الخصم. فالمؤسسات العسكرية الحديثة تعمل اليوم على توفير الاختصاصيين النفسيين للعمل في كافة وحداتها العسكرية المقاتلة كفرق طوارئ لتأمين العناية النفسية السريعة عند الحاجة وهي فرق تعتمد العلاج بالادوية الى جانب العلاج النفسي السلوكي السريع، كذلك تعمل للمساهمة بفعالية في الابقاء على المعنويات باستخدام الطرق العلمية الحديثة للتاثير على تفكيرهم السلبي وسلوكهم المضطرب، فوجود مثل هذه الفرق بالقرب من الوحدات العسكرية تمكنها من التعرف الفوري على المشاكل النفسية والتدخل السريع لتغيير التفكير السلبي قبل حصول مضاعفات، وتوفير الطمأنينة للمقاتل بأن مايشعر به من خوف وقلق هو شيء طبيعي، وهو رد فعل فطري لظرف غير طبيعي، وهناك امكانية لتجاوزه، ويكون هذا باستخدام البساطة في تطبيق تقنيات العلاج النفسي السلوكي المعرفي، اضافة الى التاكد من تأمين حاجة المقاتل المضطرب، من ضمنها الراحة والطعام والنظافة وكفاية الاسلحة والعتاد والعلاقات الانسانية، فالجيوش الحديثة تدرك بعمق اهمية تأمين الحماية النفسية لافرادها لانه من غير المنطقي ان يجرد المقاتل من انسانيته ومشاعره دون ان يدفع غالبا من صحته.
ما هي الحرب النفسية واهدافها؟
تصدى الباحثون والدارسون وعلماء النفس لتحديد معنى الحرب النفسية وابتدعوا مسميات مرادفة لها حيث يسميها الانكليز (بالحرب السياسية) والبعض الاخر يطلق عليها (حرب الافكار) ....الخ فليس هناك تعريف جامع لهذا المصطلح، ويرى الباحث (لاينارجر) بأن الحرب النفسية هي تطبيق بعض اجزاء علم النفس من اجل معاونة وخدمة اي مجهود يبذل في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية بغية تحقيق الغاية والهدف المنشود وهو الانتصار على العدو ودحره، فالحرب النفسية لاتستخدم اسلحة مادية تطلق النار من خلالها، ولكنها تستخدم الافكار والعواطف والسلوكيات من اجل تحقيق هدفها، وان هذا الاستخدام للافكار والسلوكيات والعواطف لا يكون عشوائيا، بل منظما تنظيما دقيقا وقائم على اصول علمية، فالحرب النفسية هدفها الانسان والسايكولوجية التي يتحرك في اطارها، اي المعنوية التي يعيش فيها لذا وسائلها تهدف الى التأثير على السايكلوجية البشرية وابرز هذه الوسائل هي:
1-الاشاعة: وتعني بث الخبر والترويج له بكل الوسائل المتاحة المكتوبة والمسموعة والمرئية بهدف اقناع الاخرين بها وتصديقها وخلق حالة نفسية سيئة لدى الخصم من خلال التاثير على معنوياته وتحطيمها، وبالتالي شل قدراته القتالية، ولا يقتصر ترويج الاشاعة بين المقاتلين فحسب، بل تستهدف السكان المدنيين كونهم الرديف الدائم للجبهة القتالية الذين يحافظون على ممتلكات الدولة ومكتسبات الوطن من العبث والتخريب كما يشكلون رافدا للقوات المسلحة بمدها بالمعنويات وهذا ما يطلق عليه بـ ( الحرب النفسية التعزيزية) لذا يجب تمكين الجماهير بعدم ترديد الاشاعة السلبية ونشرها وضرورة تكذيبها باستخدام الاشاعة المضادة والبحث عن مصادرها وتطويقه ومحاصرته.
2-الدعاية: الهدف منها زعزعة معنويات الدولة والتشكيك بقيادتها وتخريب افكار المقاتلين والمدنيين واقناعهم بان الهزيمة وشيكة لا محال قائماً على تفريق صفوف الشعب من خلال بث الخلاف والفرقة بين افراده انفسهم وبينهم وبين الحكومة وبين الدولة وحلفائها، ان مواجهة مثل هذه الدعاية السلبية تتطلب اليقظة والحذر من خلال محاربة الفوضى والحفاظ على النظام والقانون على مكتسبات الوطن والشعب عموما.
3-غسيل الدماغ: الحرب النفسية يعرفها البعض بانها حرب الدماغ، حرب العقل والعبث به، هدفها التاثير على معنويات الخصم وتحقيق النصر عليه ويقصد بعملية غسل الدماغ هي تشكيل الفكر من جديد وصياغة محتوياته بتغيير اتجاهات الناس وتغيير افكارهم وطرائق تفكيرهم وابرز هذه الوسائل الحديثة المعتمدة اليوم هي شبكة الانترنت وما عليها من مواقع تبث وتروج افكار صناعها ومن يقف خلفهم .
كيف نرتقي بالحالة النفسية لمقاتلينا وشعبنا في معركتنا ضد داعش وحلفائها وتحقيق النصر المؤزر عليها
ارتباطا بما تقدم، ونحن نخوض معركتنا العادلة ضد داعش وحليفاتها، هذه المنظمة المتخلفة الارهابية التكفيرية التي تريد ببلادنا كل سوء واعادتنا والبشرية جمعاء الى القرون الوسطى وهي تحاول ان تؤسس ما يسمى بـ ( دولة الخلافة الاسلامية ) وهي لا تمت بصلة للاسلام لا من بعيد ولا من قريب والاسلام منها براء.
فمعركتنا معها هي معركة مصيرية ، وعلى الرغم مما تظهره داعش من قوة وبطش وما ترتكبه من فضائع ، فانها ليست قدرا لا يمكن تلافيه ، ولولا حالة الوهن والتفكك التي عليها الوضع السياسي المأزوم الذي هو نتيجة ومحصلة للنظام السياسي القائم على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية، لما تمكنت قوى الارهاب من اختراق الوضع الامني المرتبك في بلادنا .
ان افشال خطط داعش والحاق الهزيمة بها ليس بالامر المستحيل كما تحاول الحرب النفسية والدعائية التي تشنها القوى المؤازرة لها ان تصورها على انها قوة لا تقهر وستنجح في تحقيق اهدافها والهدف من ذلك هو لاضعاف المعنويات وروح المقاومة لدى شعبنا وقواته المسلحة ، ولتحقيق الانتصار عليها يستلزم توظيف عناصر القوة لدى شعبنا عبر اتخاذ حزمة من الاجراءات العاجلة تمثل رؤية شاملة سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية ، عسكرية ، لمحاربة الارهاب .
ان تسليح شعبنا بالمعنويات العالية واخفاق خطط الارهاب وحربه النفسية والاعلامية التي تعول عليها كثيرا يمر من خلال:
1-التاكيد على الطابع الوطني لهذه المعركة المصيرية وابعادها عن محاولات تغليب البعد الطائفي عليها .
2-اعادة هيكلة الوحدات العسكرية على الاسس المعمول بها في الجيوش الحديثة من حيث التدريب والتاهيل المهني ، وان تبنى عقيدة وطنية بعيدة عن التعصب الطائفي والعنصرية وتكريم الضباط الاكفاء والنزيهين الذين ابدوا شجاعة وقدرة قيادية مشهودة في المعركة وابعاد ومحاسبة العناصر المتخاذلة التي قصرت في واجبها او تحموم حولها شبهات الفساد.
3-اصدار قانون تشكيل الحرس الوطني على اسس وطنية تتجنب المحاصصة الطائفية وان لا يكون مجرد تاطير لمجموعات عسكرية ذات طابع ميليشياوي وعلى ان تتولى الدولة مسؤولية الاشراف على تشكيلاته وتجهيزها وتوجيهها، وعلى ان تتم مراجعة وجوده واستمراره ودوره عند انتفاء هذه الضرورة 0
4-استنهاض الروح الايجابية عند الشعب العراقي وهذه مهمة ينبغي ان تنهض بها القوى الحريصة على العملية السياسية من احزاب سياسية ودينية ومنظمات المجتمع المدني وكل الحريصين على مستقبل البلاد .
5-ان المهمة الاساسية التي تواجهنا اليوم هي تحرير اراضينا المستباحة والانتصار على داعش ، ومن اجل رؤية مشتركة ومنسجمة لمكافحة الارهاب ، ولا يمكن تحقيق ذلك دون الكف عن الصراع على المناصب والامتيازات والنفوذ والترفع عن المصالح الانانية الضيقة .
6-الادارة الجيدة الناجحة للحرب تتطلب تسوية المشاكل بين الحكومة الاتحادية والاقليم وازالة معوقات المشاركة الفاعلة للاقليم في الحكومة الاتحادية وفي الجهد العسكري والعمل على تجفيف حواضن الارهاب التي لعبت دورا اساسيا في تقدم داعش وتفعيل مشروع المصالحة الوطنية وترجمته على صعيد الاجراءات العملية والخطاب وممارسة السياسيين على ان تتضمن المصالحة حزمة من الاجراءات السياسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
7-تحويل المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش والتي سيتم تحريرها الى بيئة مقاومة وطاردة له عبر المعاملة الجيدة لاهاليها وتوفير احتياجاتها المختلفة .
8-تطوير التعاون بين القوات المسلحة والحشد الشعبي والبيشمركة والتنسيق بين عملياتهم وعمليات التحالف الدولي وتخليص الحشد الشعبي من الاثار السلبية للتسلل المليشياوي اليه مما يسهم في اضعاف طابعه الوطني .
9-ان تحرير الاراضي والمناطق التي اجتاحتها داعش هي مسؤولية الشعب العراقي وقواه الوطنية بالدرجة الاولى وان العامل الحاسم في مواجهة الارهاب وقوى الظلام والاستبداد هو العامل الذاتي دون الاستهانة باهمية الدعم الخارجي وضرورة تعزيزه على اسس تخدم السيادة الوطنية للعراق وهذا يتطلب ايضا تعزيز اللحمة الوطنية وترميم تشققاتها لاعادة بناء ارادة وطنية موحدة وصلبة .
10- ان استقدام قوات برية اجنبية الى الاراضي العراقية ، يمكن ان يشكل تهديدا نوعيا للسيادة الوطنية فقد اثبتت التجارب ان مثل هذه التدخلات لا تحرز نجاحات سريعة وحاسمة في الحروب غير النظامية كتلك التي نخوضها الان مع داعش .
11-مطالبة قوى التحالف الدولي للعمل الجاد بموجب قرارات مجلس الامن 2170، 2178 التي من شانها ان تجفف مصادر الامدادات البشرية والمالية وتعطيل وسائل اعلام داعش ومواقعهم الالكترونية واغلاق مسالك تجهيزها بالاسلحة والعتاد وتطبيق العقوبات بحق البلدان التي توفر ممرا لعبور الارهابيين وتسمح بتدريبهم وباقامة علاقات تجارية عبر وسطاء ومهربين وضرب قدراتهم الالكترونية وايقاف بث سمومها عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهناك امكانية لزيادة الطلعات الجوية وتحسين دقتها وطبيعة الاهداف التي تستهدفها.
12-دور الاعلام الوطني في رفع معنويات قواتنا المسلحة وشعبنا عبر الاشادة والترويج لنجاحاتها في ساحات المعركة وتعزيز الثقة بالنفس والارتقاء بوعي المواطن وبيان طبيعة المعركة التي نخوضها بانها معركة وطنية مصيرية ، كما للاعلام دوره في نقل المعلومة الدقيقة للمواطنين ودحض الفكرة التي تقول بان داعش قدرا لا يمكن تلافيه ، ودحض ايضا فكرة تفوقها وحتمية انتصارها .
13-العناية بالمقاتلين من حيث دفع رواتبهم واستحقاقاتهم في الاوقات المحددة وبناء علاقات انسانية مع مرؤوسيهم واهمية المثال الايجابي الذي يجب ان يقدمة الضابط من شجاعة ورباطة جاش كلها عوامل تستنهض همم مقاتلينا وتعزز الثقة بانفسهم .
14-اداء الحكومة والبرلمان وتعاونها لتنفيذ البرنامج الحكومي والاهتمام بالقوات المسلحة على مختلف صنوفها وتخصيص الميزانية المناسبة لها، ان زيارة البرلمانيين ورجال الحكومة لجبهات القتال ومعايشة المقاتلين له الاثر الكبير في رفع معنويات قواتنا المسلحة .
15-رعاية عوائل الشهداء والمفقودين والاهتمام بالنازحين من شانه ان يعزز علاقة الشعب بالحكومة ويرفع من معنويات الجيش في نفس الوقت كما للاحزاب السياسية دورها في هذا الشان لمسساعدة ودعم النازحين ورعايتهم وحمايتهم والقيام بكل ما يخفف من مآسيهم لحين عودتهم بسلام وامان الى بيوتهم واراضيهم وبلداتهم .
ان العمل بالمهمات الوطنية اعلاه مع مراعاة عامل الزمن كفيل بدحر داعش وحلفائها وعودة بلادنا الى وضعها الطبيعي ، ويسودها الامن والاستقرار والسلام وتحقيق مستوى معاشي لائق لشعبنا .