المنبرالحر

هل شاعت النرجسية * بين المسؤولين / د. علي الخالدي

لاحظ المعنيون باﻷمور الصحية واﻹجتماعية تزايد أعداد من يظهر على تصرفاتهم أعراض مرض النرجسية خلال فترة ما بعد سقوط الصنم ، حيث تولدت ممكنات لعبت دورا رياديا بإنتشاره بين ألبعض من القائمين على النظام ، و بعض الفنانين والكتاب. فسلوكهم وتصرفاتهم عبرت بشكل واضح حتى لغير المختصين بأن فعالياتهم تعكس أعراض هذا المرض ، كعدم اﻹستجابة لمطالب ممثلي الشعب ﻷجل مساءلتهم ، ﻷنهم الأعلون بنظرهم ، أو الغطرسة تجاه الجماهير باﻷبتعاد عنهم ، لكونهم أدنى مستوى منهم ، أو تمسكهم بالمناصب رغم فشلهم ﻷنهم أصحابها ، ومما شجعهم على ذلك غياب المحاسبة، وضياع سطوة القانون ، و تصفيق المحيطين بهم ، فصدقوا كذبتهم و زاد من غرورهم ، باﻹضافة ﻷستقوائهم بطوائفهم وعشائرهم.
خلال عملي في أرض الله الواسعة مع أجناس وثقافات متعددة لم أتعرف على أعراض هذا المرض الذي كنت مجبرا على تعلمه في مقاعد الدراسة نظريا . لكنه مؤخرا بفعل خطوات التغيير التي يخطوها الدكتور حيدر العبادي ، وفتحه أبواب تعريتهم بدعم ، ومؤازرة القوى الوطنية والناس التي هضمت حقوقها تعرفت عليه عمليا ، لا لخلو الساحة العراقية من عناوين تستحق اﻹفاضة بالرأي والعمل وإنما لكسر حاجز الخوف والمحاباة الذي تحلى بها البعض من كشف حقيقتهم أمام الناس.
بدأت ارصد تصرفات البعض في الداخل والخارج وخاصة من جمعتني بهم الوطنية العراقية ، فرأيت العجائب والغرائب، وبان لي أن أغلب المصابين بالنرجسية تنقلوا في أحزاب متناقضة اﻷهداف والمآرب، وتنكروا ﻷفضال من فتح لهم ابواب التعلم والدراسة، ولست مخطئا إن قلت أن الشيء الوحيد الذي يجمع هؤلاء هو انتقالهم المفاجيء الى صفوف اﻷثرياء بطرق غير معتادة ، مع حظوة ورفع شأن من قبل المحيطين بهم من فاقدي المصداقية ، بعد تهميش وإقصاء الكفاءات الوطنية المعروفة بثقلها وصدقها وإخلاصها ، والتي تتطلع الى خدمة الشعب بعيدا عن الذاتيات.
من باب الوقاية خير من العلاج ، وإستجابة لطلب أحد قرائي ، حيث أستعملت في بعض المقالات كلمة النرجسية بشكل عابر ، وجدت نفسي مضطرا للتعريف به . إنه مرض نفسي خطير لا يُدرك لتهرب المصابين به من مراجعة الطبيب حتى لا يكشف أمرهم ، كما أن البعض من الناس يعتقد أن سلوكياتهم من خلقة الباري عز وجل ، بينما يعتبره اﻷطباء من اﻷمراض التي تدمر المجتمع ، يجب معالجتها كأي مرض ، ( يُعتقد أن أغلب الدكتاتوريين هم نموذج لسطوة المرض ، بل هم نرجسيون أمثال صدام والقذافي وقبلهم هتلر وسالاز وبيبنوشت ) ، لعدة أسباب منها كونهم خارج المحاسبة ولا يخضعوا لقانون . لهم قوانينهم الخاصة ﻹدارة الدولة بالقبضة الحديدية ، و بالمكر واﻹحتيال والنصب لتحقيق مصالح أنانية وذاتية ، فهم لا يعترفون بأخطائهم و تصرفاتهم المشينة ، يحبون ذاتهم ولا يعرفون التضحية من أجل الآخرين ، ولا حتى مساعدتهم إلا في إطار تلبية مصالحهم الذاتية ، وهذا ناتج عن إشكالية أضطراب في الشخصية ، يتميزون بالغرور والتعالي والشعور باﻷهمية ( أنا من يطلق علَيَ فلان إبن فلان) ، يروا أنفسهم هم اﻷفضل واﻷذكى واﻷكثر تدبيرا . يرون مَن حولهم أدنى منهم ، يهتمون بإناقتهم ويدققون كثيرا في إختيار ملابسهم ، يُثقلون حقيبتهم ،ويخففون ثقل جيوبهم من أجل إستغلال الآخرين ، وإثارة إعجابهم . يُستفزون عندما يُتجاهلوا ، ويتطيرون من النقد ولا يعرفون النقد الذاتي ، لا يريدوا أن يسمعوا إلا المديح وكلمات اﻷعجاب ، كما يصاحب شخصيتهم شعور غير عادي بالعظمة بكونهم أشخاصا نادري الوجود ، أو إنهم من نوع فريد لا يفهمهم إلا خاصة الناس، و الغيرة تكون متمركزه في ذاتهم ، فيستميتون من أجل الحصول على المنصب.
يميل النرجسيون نحو إعطاء قيمة عالية ﻷفعالهم ، ولن يستمعوا لصوت الآخرين ، فرأيهم فوق الجميع . فهل شخصت أيها القاريء أن شخصا من المسؤولين ، أو من المحيطين بك تنطبق اﻷعراض المذكورة أعلاه عليه ، إذن سارع الى نصحه بإستشارة الطبيب المختص قبل مطالبته بالكف عن تلك التصرفات ﻷنه لن يستطيع التخلص منها.
*النرجسية كلمة مشتقة من أسم شخص يوناني قديم يدعى نركوسيس أعجب بوسامته عندما رأى وجهه على سطح بركة ماء فعشقها حتى مماته.