المنبرالحر

البرنامج الحكومي للسنوات 2014-2018 والتحول نحو القطاع الخاص / عادل عبد الزهرة شبيب

تسعى الحكومة في برنامجها لسنوات 2014- 2018 الى اعادة تقسيم الادوار بين القطاع العام وبين القطاع الخاص والذي يتطلب مراجعة القوانين والتشريعات المنظمة للعمل وتوفير المناخ الاستثماري المشجع لجلب رؤوس الاموال، اضافة الى تعزيز الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة وتوفير البنى التحتية الضرورية لخلق مصادر تمويل اضافية للموازنة العامة للدولة بدلا من الاعتماد الكلي على النفط ،كما ورد ذلك في البرنامج.
يمكن القول أن القطاع الخاص في العراق يعود تاريخه إلى عهد الدولة العثمانية وبشكل خاص أيام حكم مدحت باشا (1869- 1872) حيث انتعشت طبقة التجار وبنيت البنوك برؤوس أموال أجنبية وأصدرت الحكومة العثمانية قانون تشجيع الصنائع عام 1913.
وفي عهد الاحتلال البريطاني للعراق كان توجه حكومة الاحتلال إلى دعم شيوخ العشائر والملاكين وخلق فئات اقتصادية داخل المجتمع العراقي تتعاون معها وتمثل مصالحها بهدف منع قيام صناعة حقيقية وإبقاء العراق سوقا مفتوحا أمام البضائع الانكليزية وهذا هو احد أهداف استعمار العراق. وشهد العراق خلال هذه الفترة مشاريع استثمارية زراعية.
وعند قيام الحكم الملكي في العراق وتشكيل الدولة العراقية عام 1921 بدأ القطاع العراقي الخاص بإنشاء صناعة وطنية حديثة مع صدور قانون تشجيع المشاريع الصناعية لسنة 1929 ونشط القطاع الخاص في هذه الفترة بإقامة عدة مشاريع في صناعة المنسوجات الصوفية والسكائر والشخاط والجلود والاحذية والصابون والمشروبات الكحولية والصناعات الغذائية والانشائية ومعامل الطابوق. وبرز خلال هذه الفترة عدد من الصناعيين في القطاع الخاص امثال محمد حديد وفتاح باشا في بغداد ومصطفى الصابونجي في الموصل . وازداد عدد المشاريع الصناعية ليصبح في عام 1945 (96) مشروعا كما بنيت شركة الزيوت النباتية عام 1939 وكان للمصرف الزراعي الصناعي دور في دفع نشاط القطاع الخاص الى الامام الى جانب اتحاد الصناعات العراقي الذي تأسس بموجب القانون رقم 52 لسنة 1956الذي شجع قيام المشاريع الصناعية وقدم الحماية لها .
وبعد ثورة 14 تموز 1958 اعتمدت الدولة على التخطيط وتم دعم القطاع الخاص وتقديم التسهيلات له وتوسعت الدولة في إقامة مشاريع صناعية عديدة من خلال الاتفاقية العراقية- السوفياتية وترك مجال الصناعات الخفيفة بيد القطاع الخاص.وفي عام 1963 حصلت انتكاسة للوضع الاقتصادي والسياسي ولمختلف الأوضاع بانقلاب شباط الاسود وكانت لقرارات تأميم مؤسسات ومشاريع القطاع الخاص عام 1964 اثرها على نشاطات رجال الاعمال والصناعيين وكبار التجار ما ادى الى هروب رؤوس الاموال والكفاءات الصناعية الى خارج العراق. وبهذا الصدد فقد تم تأميم 27 مشروعا صناعيا وشركات مصارف اهلية بقانون رقم 99، اضافة لتأميم مصانع الاسمنت والسكائر والمطاحن والغزل والنسيج والاحذية ومصانع الورق والزيوت النباتية ما ادى الى تراجع القطاع الصناعي الخاص والذي اثر بدوره على معدلات النمو الاقتصادي.
وفي فترة السبعينات من القرن الماضي انتعشت الحركة الاقتصادية في العراق بعد تأميم النفط وحصول العراق على عوائد مالية كبيرة نتيجة ارتفاع اسعار النفط واتجهت الدولة في حينه لاقامة الصناعات الاستراتيجية وتشجيع القطاع الصناعي الخاص عبر التشريعات والقروض والاعفاءات الكمركية ،الا ان نشوب الحرب العراقية الايرانية 1980-1988 قد دمر الاقتصاد العراقي وشل حركته وتمت عسكرة الاقتصاد واستمر التدهور بعد غزو العراق للكويت وحرب الخليج والحصار الاقتصادي ،ثم ازداد وضع القطاع الصناعي والزراعي سوءا بعد سقوط النظام المقبور عام 2003 وسيطرة الاحتلال الأمريكي على مجريات الامور حيث عمت الفوضى والنهب وتخريب المؤسسات و بلغت مساهمة هذا القطاع أدنى مستوياتها (1،2 ) من الناتج الإجمالي المحلي.
القطاع الخاص بعد نيسان 2003:
بعد عام 2003 رفعت العديد من القيود التي كانت مفروضة على نشاط القطاع الخاص وظهرت العديد من الشركات الخاصة،وشجع الاحتلال الأمريكي اقتصاد السوق إلا ان هناك العديد من العراقيل التي كانت ومازالت تعيق نشاط القطاع الخاص كسياسة الاغراق والتدهور الأمني والطائفي الى جانب ازمة الكهرباء والوقود والتشريع القانوني وعدم دعم الدولة لنشاط القطاع الخاص.
تفعيل القطاع الخاص في العراق:
من الضروري اجراء الاصلاحات والمعالجات التشريعية لغرض دعم نشاط القطاع الخاص ومكافحة الفساد المالي والاداري حيث تعرض هذا القطاع الى التهميش اضعاف لدوره بسبب السياسات المتبعة واصبح القطاع التجاري اليوم في العراق هو القطاع الرئيسي وليس القطاع الصناعي رغم ان العراق يمتلك الموارد الاقتصادية والثروات المعدنية المختلفة ويمتلك النفط والغاز، الا ان سياسة الباب المفتوح واغراق السوق بالمنتجات الاجنبية بما فيها الرديئة وغياب الدعم الحكومي والتدهور الامني والطائفي، قد ادى الى هجرة رؤوس الاموال لرجال الأعمال العراقيين الى الخارج وتشير الاحصائيات الى ان ما يقرب من (600) شركة صناعية في العراق قد توقفت عن العمل بعد عام 2003 ،
ان القطاع الخاص بوضعه الحالي غير قادر على النهوض بواقع التنمية الاقتصادية في البلاد وهو بحاجة الى دعم الدولة بشكل كامل،فالاقتصاد العراقي مازال اقتصاداً ريعياً يعيش على تصدير النفط، بينما الزراعة معدومة حيث يعتمد العراق على تأمين سلة غذائه عن طريق الاستيراد، والصناعة متوقفة غير قادرة على منافسة المنتجات الاجنبية التي تغرق بها السوق العراقية ،ولذلك من الضروري:
1. توفير الاستقرار السياسي والامني المطلوب لممارسة القطاع الخاص لنشاطه، إذ لا نشاط للقطاع الخاص من دون ذلك.
2. تشخيص المعوقات التي تواجه القطاع الخاص من اجل وضع الحلول اللازمة لها.
3. تشريع القوانين التي تدعم هذا القطاع.
4. تأهيل المناطق الصناعية القائمة والتخطيط لمدن صناعية جديدة.
5. تفعيل قانون الاستثمار وتقديم التسهيلات لدعم نشاطه.
6. تقديم القروض الميسرة وبفوائد بسيطة.
7. الغاء الديون القديمة المترتبة بذمة الصناعيين للفترة التي توقف فيها نشاطهم بسبب اوضاع البلد التي ليس لهم دخل فيها.
8. الاستفادة من ثورة المعلومات والاتصالات في الفعاليات الاستثمارية للقطاع الخاص.
ان فترة ما بعد نيسان 2003 هي امتداد للفترة التي سبقتها والتي مازالت تتميز بزيادة التفاوت الاجتماعي وتزايد البطالة وتعاظم التهميش الاجتماعي وتميزت هذه الفترة بظهور جماعات تغيرت اوضاعها الاقتصادية بسرعة قياسية بفعل ما نهبت من موارد الدولة ومؤسساتها المالية والاقتصادية وما ابتزته من المواطنين والتي تعرف محليا بـ (الحواسم) ،والقطاع الخاص مازال يعاني الضعف والتهميش وهو اليوم مرهون بنموه وتطوره بحماية الدولة.
وبهذا الصدد اكد الحزب الشيوعي العراقي في تقريره السياسي الصادر عن الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية /تشرين الثاني 2014، على ضرورة اجراء الاصلاح في مجال الادارة وفي منظومة التشريعات الاساسية التي تكرس الروتين والبيروقراطية وتلعب دورا كابحا للنشاط الاقتصادي والمبادرة وحسن الاداء، وادخال التقنيات الحديثة في الادارة، وفي ايصال الخدمات الى المواطنين من خلال برامج ومشاريع الحوكمة الالكترونية. وفيما يتعلق بالقطاع الخاص فقد اشار التقرير الى انه يعاني ضعفا بنيويا وهو لا يساهم الا باقل من 10بالمائة من اجمالي الاستثمار باستثناء استثمارات الشركات النفطية في اطار جولات التراخيص،كما ان القطاع الخاص لا ينشط في المجال الصناعي إلا بنسبة ضئيلة من طاقته الانتاجية لذلك فالمرجح ان الرعاية التي سيحظى بها القطاع الخاص سوف لن تذهب لانعاش الصناعة وانما الى نشاط المضاربات بالاصول والعقارات. كما اكد الحزب على ضرورة وجود آليات متابعة فعالة ووجود اجهزة رقابة فعالة للسوق العراقية ومنع الغش التجاري والتقيد بمواصفات الجودة. كما اكد الحزب في تقريره على دعمه للتوجه نحو تقديم الدعم للقطاع الخاص الوطني في المجالات الإنتاجية وخصوصا الصناعية ونحو تشجيعه على الاستثمار مع توفير البيئة التشريعية والتنظيمية والادارية الميسرة وتفعيل دور البنوك المتخصصة مع التوجه لإعادة تأهيل واصلاح الشركات والصناعات المملوكة للدولة. غير ان تهميش وابعاد دور الدولة وتدخلها في ادارة الاقتصاد بدل اصلاح هذا الدور واصلاح قطاع الدولة هو خطأ كبير ناجم عن عدم معرفة حاجات الاقتصاد العراقي حيث ان دور الدولة ضروري لعملية التنمية المستدامة الاقتصادية-الاجتماعية.