المنبرالحر

الأقاليم في ميزان التقييم / مرتضى عبد الحميد

تصاعدت المطالبة بتشكيل الأقاليم من جديد، بالاستناد هذه المرة إلى مبررات تبدو شرعية وعلى وفق المادة (119) من الدستور العراقي، التي تنص على انه يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب الاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقتين إما بطلب من ثلث أعضاء مجلس المحافظة، أو من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تشكيل الإقليم.
لا شك أن النظام الفيدرالي الذي يفترض أن تبنى على أساسه الدولة العراقية، والمثبت في ديباجة الدستور ومواد عديدة منه، هو ألافضل وألانسب للعراق كما لغيره من الدول، ويشكل نقيضاً ناجحاً للمركزية الشديدة السائدة في الأنظمة السالفة. فالديمقراطية في جوهرها توزيع للسلطة عمودياً والفيدرالية توزعها افقياً.
لكن تجارب العالم المتقدم منه والمتخلف تشير إلى ضرورة وجود خصوصية إثينة تتيح إنشاء الإقليم، (عرق، لغة، ثقافة، تاريخ مشترك أي مختلف عن الأقوام الأخرى) وليس على أساس طائفي (شعائر دينية أو اختلافات فقهية) وكمثال على ذلك، تتكون سويسرا وهي من انجح الفيدراليات في العالم من (26) كانتوتاً أي إقليماً و (6) نصف إقليم، وهذه الأقاليم لم تشكل على أساس ديني أو طائفي رغم أن الأغلبية المسيحية في (14) منها كاثوليكية و (12) أغلبية بروتستانتية، وإنما شكلت على أساس قومي لغوي فهناك (17) اقليمياً يتكلمون الألمانية و (4) الفرنسية وهكذا وهو ما يجري في إنحاء العالم. بل حتى الفيدراليات المتكونة من لون قومي أو ديني واحد مثل ألمانيا وبلجيكا، لا تطبق فيها الفيدرالية الإدارية إلا على أساس مدى الفائدة التي يجنيها الإقليم في حالة تشكله، وقدرته على دفع عملية التنمية البشرية والاقتصادية إلى الإمام، وفي أوضاع مستقرة ومتطورة في كل المجالات، وليس كما يجري في عراقنا المنكوب بالزعامات المجانية، والمستقتلين من اجل السلطة، أو تنطلق هذه الدعوات وترفع رأسها، كرد فعل على حالات التهميش والغبن وعدم الأنصاف الذي يصيب محافظة من المحافظات، وفيها شيء من الحق وهو حق دستوري ايضا لكن الأقاليم لاتبنى على أساس ردود الفعل الغاضبة أو بأجندات طائفية كالدعوة إلى تشكيل إقليم من تسع محافظات، أو استجابة لرغبة بعض السياسيين وركوبهم موجة الاستياء والتذمر السائدة في أوساط جماهير المحافظة المعينة كما يجري في البصرة وبعض المحافظات الغربية.
علينا أن ننظر أولا إلى المصلحة الوطنية العليا، لان الدعوة إلى تشكيل الأقاليم في الظرف الحالي ستزيد الأمور تعقيداً، وسوف تؤدي إلى تقسيم العراق لا محالة، ونحن ألان أحوج ما نكون إلى توحيد كل الجهود والطاقات وحتى الخطابات السياسية والإعلامية لتخليص بلدنا من داعش" ومثيلاتها، والقيام بأصلاح العملية السياسية اصلاحاً جذرياً، وعند استقرار الأوضاع وهدوء النفوس والعقول، والتخلص من وباء الطائفية، سيكون بالإمكان بل مرحبا بها المطالبة بتشكيل الأقاليم أذا كانت هناك ضرورة لها.
ونستطيع ألان معالجة مظاهر الخلل الكبيرة في نظامنا السياسي والإداري بتفعيل مبدأ اللامركزية وقانون رقم (21) لسنة 2008 الذي يعطي المحافظات ومجالسها سلطات واسعة يمكن من خلالها تحقيق انجازات فعلية لا وهمية في كل المحافظات والمدن العراقية.