المنبرالحر

تضخم الأنا لدى الفرد العراقي / ناهده محمد علي

تتكون ( الأنا ) لدى الفرد العادي منذ ولادته ومن خلالها يسلك سلوكاً غريزياً للحفاظ على حياته من خلال عملية الإمتصاص لحليب الأم أو الحليب الإصطناعي أو بكائه أثناء الجوع أو الألم ، أو عملية التخلص من فضلات الأمعاء . ويمتزج حبه الغريزي لأُمه ( بألأنا ) لديه حيث هي الشخص الذي يوفر له إحتياجاته المادية والمعنوية والنفسية ، ويشعره بالراحة بعد تغذيته وتنظيفه والتواصل الروحي معه ، ويمتزج حب الطفل لذاته مع حبه لأُمه لأنها من يوفر له الإحساس بالرضى والكفاية .
وبعد سن البلوغ يقوم الفرد بتحقيق ذاته بطرق مختلفة منها دراسته ونجاحاته النظرية والعملية وذهابه إلى مواقع الدراسة والعمل بمفرده وبدون راعي كما يحقق ذاته من تجاربه العملية لقيادة العجلة أو السيارة أو الإصلاحات البيتية ، كذلك في إقامة العلاقات الروحية مع الجنسين والإنخراط في العمل الإجتماعي والعلاقات الإجتماعية . كل هذا يبدو منطقياً وسهلاً إلا حين تتعارض المصلحة الذاتية مع مصلحة العائلة أو الجماعة أو المجتمع بشكل عام ، وقد تتعارض أهداف المؤسسات الإجتماعية أو أهداف السلطة التنفيذية مع مصلحة الفرد حين تُسيس أو تُبرمج أهدافها أو مشاريعها لغير صالح الفرد العادي بل مصالح قيادية فردية أو أطماع توسعية أو إستثمارات أجنبية مبنية على الإستفادة من جانب واحد أو أهداف تخدم فلسفة محددة لمجموعة ضيقة في المجتمع ويتم تعميمها قسراً على جميع أفراده ، وهناك أشكال كثيرة للتعارض ما بين الفرد والمؤسسات الإجتماعية والقيادات الفردية.
إن من المعروف أن إحتياجات الفرد الأولية والأساسية تبدأ بالغذاء والماء والدواء والتعليم وحق العمل ثم تنتهي بأسباب الرفاهية التي يتمتع بها الفرد العادي في الدول التي يرتفع فيها مستوى الكفاية الإجتماعية . وقد يصل مستوى التعارض إلى التقاتل لتحقيق المصالح ويبدأ هذا حتى في العائلة الواحدة حين ينعزل أو يتقاتل بعض أفرادها لغرض تحقيق ذاته في أمر ما. وقد تتصادم الأنا الفردية مع الأنا الإجتماعية فيكون الفرد بهذا خائناً لقيم الجماعة ومنفذاً لرغباته الفردية ، وقد يكون أيضاً متفرداً في أفكاره وقيمه ونظرياته ، وقد يتبع في تحقيقها أساليب علمية أو أدبية لم يعرفها أو يقرها المجتمع بل ينكرها ثم تتعمم تدريجياً وتصبح بعد هذا فكرة ونظرية رائجة بعد تضحيات كما حدث في نظرية تكون الأرض وكرويتها والتي عارضها المجتمع الكنسي ونظرية تكون العالم وبدايته، والكثير من النظريات الفلسفية والإقتصادية والتي قد تتفق مع مصالح البعض وتتصادم مع مصالح البعض الآخر.
إن تضخم الأنا الفردية القائم على أسس غير منطقية أو علمية وبمنظور فردي بحت ومجحف بالمصلحة العامة ، وقد يكون هذا خطراً هو ما نبحث فيه ، حيث تولدت عبر سنوات طويلة لدى الفرد العراقي فكرة الحفاظ على الأنا مهما دفع من ثمن وتحتوي هذه الأنا ( قيمه وشرفه وأحلامه ومصالحه المادية ) والتي واجهت كسراً قاسياً من قبل الأنظمة والحكومات والمصالح الخارجية ومالكي السلطة والمال الذين لن يسمحوا للفرد العادي أن ينفذ غير مصالحه ، وحينما يتواجد هذا الفرد مع نفسه يجد نفسه خاوياً فهو يرهق نفسه بالعمل والدراسة ولا يحصل على شيء ، محباً لوطنه وهو منبوذ فيه فتتضخم لديه الأنا رويداً رويداً حتى تبدأ بالمصادمة مع أهداف المؤسسات الإجتماعية المسيسة، وقد يتمكن هذا الفرد من أن يُرهب أو يًرعب هذه المؤسسات ، ويمكنه أيضاً أن يُرعب السلطة وقادة المال والسياسة ولكي يعيد لهم بعض الصفعات ، وقد يحصل هذا الفرد على بعض المكاسب المادية ، ولكنه لن يوفر لنفسه الإحساس بالراحة والطمأنينة التي يحتاجها . وقد تصبح ظاهرة التضخم هذه ظاهرة عامة ، فتتكاثر البقع السوداء على الثوب الأبيض حتى لا يكاد يُرى لونه ، ومن هنا تأتي ظاهرة الفساد الإجتماعي والمالي والإداري . إن كل ما يفعله هذا الفرد هو لأجل تحقيق الأنا لديه وإسعادها ورفاهيتها ، وهو بتنازعه غير السلمي هذا لن يحصل إلا على القليل من متعة الإنتقام لنفسه والقليل من الكسب المادي الغير منتظم والغير مأمون ، وعلى هذا الأساس إن هذا التصادم بين الفرد والمؤسسات الإجتماعية أو العكس لن يؤدي لا إلى راحة الفرد ولا راحة المجتمع ، والذي يحصل هنا أن حرباً داخلية ومحلية تحصل بين الأفراد والجماعات والفرق المختلفة كما يحصل في العراق حالياً ، حيث أن مصلحة الفرد العادي لا تتعدى أسوار حدود بيته وإذا إستكثرت المؤسسات الإجتماعية على الفرد مصالحه الخاصة فسيخرج هذا الفرد من أسوار بيته مقاتلاً للحصول عليها ، وهذا ما يحصل فعلاً ، وسبب المشكلة هنا هو ما أُسميه ( الغباء الإجتماعي ) حيث أن مصلحة هذا الفرد والمؤسسات الإجتماعية هي واحدة ، ويستطيع الفرد حتماً أن ينفذ مصالح هذه المؤسسات ، ويستطيع أيضاً القائد النزيه أن يتجرد من مصالحه الشخصية ومن التضخم الهائل للأنا لديه وهو ما يثير غضب الفرد العادي إذ قد يتساءل كل يوم ولا يجد جواباً ، لِم ينام القادة مثلاً في قصور مشيدة وضمن حراسة مشددة ، وينام رجل الشارع على حصيرة توجع عظامه ولا يدري ما الذي سينتظره أو يباغته في الغد . إن الكثير من الأفراد والذين ضُربت مصالحهم وأهدافهم الخاصة المشروعة قد يتكاتفون ويصبحون خارجين عن القانون السلطوي ويتبعون قوانينهم الخاصة وقد تكون أكثر عدلاً من قوانين السلطة . ولو تساءلنا لِمَ هذا التعارض لوجدنا أن تضخم الأنا لدى القادة الكبار وتحقيقها اللامشروع واللاأخلاقي هو أكبر بكثير من تضخم الأنا للفرد العادي ، إذ هي كما ذكرت لا تتعدى أسوار بيته ، ولأجل صبره الطويل قد يتحول هذا الفرد إلى ( حرامي ) من الطراز الأول أو إلى قاتل شرس أو مدمن سلاح أو حامل لغضب عظيم ومحطم لكل ما يقف أمامه من معوقات مادية أو قيمية معنوية ، ولن يلاحظ كل السعادات والألوان البراقة التي يلوّح بها القادة لقاعدتهم ، ولو علم القادة المتعاظمون وهم جالسون على قمة الهرم بأن أي تفطر أم زلزال للقاعدة التي يرتكزون عليها تطيح بهم من أعلى بعد عدة هزات حتى تتفتح الأرض وتحتويهم .