المنبرالحر

إشكالية حوار المعنيين مع المكونات العرقية والدينية في العراق / د. علي الخالدي

لقد صرف اﻹنسان وقتا طويلا حتى تراكم وعيه بما يدور حوله ،وتعامل مع نظرائه و الطبيعة بثقافة اﻷعتراف والتواصل معهما ،بمعايير ورؤى مشتركة ،فرضت سيادة اﻹحترام المتبادل ،وإﻹستغلال المشترك لباطن ﻷرض ومع عليها ، واللذين كانا وراء تكوين ،القدرة على إكتشاف روعة جمال العلاقة اﻹنسانية بينهم ،والعيش المشترك في أجواء المحبة والسلام التي نادت بها الرسالات السماوية ، التي من وحيها تشكلت مواقف رائعة ،ذات مغزى معبر عن تفهم وروح تضامنية ،ضمن قوانين العطاء المتبادل بين الناس صاغها اﻹنسان السوي ، بتفاهم غير مرئي ،عندما إكتشف قوانين الطبيعة واﻹجتماع ،فإنتهج ثقافة التعامل المتكامل مع التحضر والمدنية ،التي بالضرورة تقود لصيرورة أجواء مطمئنة لجميع مكونات المجتمع ، يفتقدها جيلنا الحالي ،مذ تَغْييب ثقافة الحوار والتفاوض مع القوى الوطنية واﻷقليات العرقية والدينية المشكلة لنسيجنا اﻹجتماعي، وإقتصارها على تحقيق مظلومية هذه الطائفة أوتلك . فبعد إغتيال ثورة الفقراء ثورة تموز المجيدة ، إزدادت عمقا هذه اﻷشكالية ،وتواصلت إتساعا بعد سقوط الصنم ،لا بل حُصرت بين المتخاصمين مذهبيا وطائفيا وقوميا ، على الرغم من الدعوات المتكررة للحريصين على مصالح الشعب والوطن الى ضرورة توسيع طاولة الحوار والتفاوض ، لتشمل المسيحيين والصابئة المندائيين واﻷيزيدين والشبك ، لكن هذه الدعوات ذهبت أدراج الرياح ،نتيجة فقدان ثقافة الحوار والتفاوض التي كانت وراء إعطاء رسالة للجميع ، مفادها أنعدام نية تفعيل التطبيق العملي للشراكة الوطنية ،في المساواة بالحقوق و الواجبات بين كافة المواطنين ،من جهة ، وتضييق ممارسة الشعائر الدينية والمدنية للأقليات العرقية ،وتحركاتها ، متخذا طابع العنف والتهجير من مناطقهم ،بينما خلال فترة ما بعد سقوط الصنم ،شاهدنا الكثير من نتائج الحوار بين القائمين على نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية،على شكل إتفاقيات و وثائق شرف غُيبت منها روح التسامح والتعاطف اﻷنساني والتضامن مع اﻷقليات العرقية والدينية ،فأشعروهم بمنهجية سياسة اﻷقصاء والتهميش،إلذي إنسحب عل حلفائهم في النضال ضد الدكتاتورية ،ناهيك ما جرى فيها من تجاوز على اﻹيفاء للدماء التي هدرت والجهود التي بذلت في بناء العراق المعاصر . لقد ركزت حواراتهم وتفاوضهم على تجيير عائدية مردودات التغيير لصالح القائمين على السلطات التلاث ومقريبهم والمحسوبين عليهم ، بحيث وفرت بحبوحة عيش يحسدهم عليها نظرائهم في أكبر دول العالم غنى ، خالقين بذلك هوة سحيقة بينهم وبين عامة الناس في توزيع الثروة الوطنية ، فتدهورت مسيرة الوطن وتعمقت مآسي الجماهير الفقيرة وزاد إستياؤهم الذي عبروا عنه بالتظاهر الذي قوبل بالقوة المفرطة ، رغما على الدستور
من هذا المنطلق يطالب الواقعيون على عدم حصر الحوارات التي تتعلق بمصالح الوطن العليا بين المتخاصمين دون إشراك طرف ثالث يكون محايدا ،فإقتصارها عليهم ،يعني الدوران في حلقة مفرغة ،تفرض خروجهم بتفاهمات ناقصة الجذور والقواعد ،تبقي اﻷوضاع غير مستقرة ، تتقاذفها حالة المد والجزر في العلاقات ،فتُغيب الضمانات المجتمعية للمواطن ،ليقع في دهاليز الحاجة واﻹستغلال كخطوة أولى ،تضمن تعميق التخلف وسياسة التجهيل التي أعدتها الحكومة السابقة لحكم البسطاء من أبناء شعبنا .فإبعاداﻷقليات العرقية والدينية عن أي حوار يجري يدل على عدم اﻷعتراف بوجودها ،وعلى غياب صدق النيات بإتاحة الفرصة أمامهم لممارسة حق المشاركة في إبداء الرأي والمكاشفة الصريحة باﻷسباب التي أوصلت البيت العراقي الى ما هو عليه الآن ،فمشاركة كل المكونات التي تعتبر الحرب مع داعش هي حرب بين المدنية والهمجية بعد إبعاد القوى التي لا تدين افعالها اﻷجرامية بحق شعبنا كخطوة أولى يحتاجها تطبيق نيات التغيير (ﻷن الحوار يجري بين المتصالحين ). فلا تغيير حقيقي في ظل طقوس نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ،وخشيتنا حاليا أن تتواصل نفس الطقوس ، جراء سياسة التوازنات الوجه اﻷخر لنهج المحاصصة المقيت ، فينطبق علينا ما يقوله العراقي تيتي مثل ما رحتي جيتي.