المنبرالحر

تركيا: الناخب الإسلامي و"المال الحرام" / محمد نور الدين

برغم الأحداث المتلاحقة في تركيا، ومنها العملية الانتحارية أمام مقر للشرطة في اسطنبول ومقتل شرطي، فإن القضية المركزية هذا الأسبوع كانت تصويت لجنة التحقيق البرلمانية بمنع تقديم المتهمين بالفساد من الوزراء السابقين إلى المحاكمة أمام المحكمة العليا.
لجنة التحقيق النيابية، التي تشكلت قبل أشهر للنظر في فضيحة الفساد التي انفجرت بين 17 و25 كانون الأول العام 2013، انتهت إلى قرارات سياسية بامتياز.
لم يكن في الأساس توقع نتيجة أخرى من التصويت على قضية الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد، وهم وزير الداخلية السابق معمر غولير ووزير الصناعة والتجارة السابق ظافر تشاغليان ووزير الاتحاد الأوروبي السابق ايغيمين باغيش ووزير البيئة وتطوير المدن السابق اردوغان بيرقدار.
اللجنة كانت مؤلفة من تسعة أعضاء من "حزب العدالة والتنمية" وأربعة من "حزب الشعب الجمهوري" وواحد عن "حزب الحركة القومية"، في حين استقال قبل فترة العضو عن "حزب الشعوب الديمقراطية" الكردي.
واقترعت اللجنة بتسعة مقابل خمسة على عدم تقديم الوزراء للمحاكمة أمام المحكمة العليا، وبالتالي "تبرئتهم" في البرلمان. لكن الكلمة الفصل ستكون في الجلسة العامة للبرلمان في 29 كانون الثاني الحالي، حيث تحتاج الإحالة إلى المحكمة العليا إلى 276 صوتا، أي أن المعارضة تحتاج إلى أكثر من 60 نائباً من "العدالة والتنمية" نفسه لإنجاح القرار.
لقد راهن البعض على "ضمير" أعضاء اللجنة التسعة من "العدالة والتنمية" لإحداث مفاجأة. واليوم يراهنون على كسب عشرات الأعضاء من الحزب في تصويت الجمعية العامة للبرلمان. وهذا يبدو بالتأكيد صعباً، بل مستحيلاً.
ويخوض «حزب العدالة والتنمية» المعركة ضد إلصاق تهمة الفساد به منذ لحظة ظهورها، وبدلا من تقديم الوزراء الأربعة إلى القضاء، عمل على اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لتغطية الفضيحة وطمسها، وأولها اعتبار الفضيحة والتهم مؤامرة خارجية ومجرد افتراءات تهدف إلى قلب نظام الحكم. ومن ثم بادر الحزب إلى إقالة قضاة وتعيين آخرين بدلا منهم، وتغيير القوانين بما يسمح للسلطة السياسية ان تتحكم بالسلطة القضائية، وإلى إقالة الآلاف من قادة الشرطة أو تغيير مواقعهم. ومن ثم تغيير موضوع البحث، بقول رئيس الحكومة حينها والجمهورية اليوم رجب طيب اردوغان أن الشعب أصدر حكمه بالتبرئة من خلال فوز الحزب في الانتخابات البلدية والرئاسية. ولا يخفى أن هذا الكلام تضليلي، لأن المكان الوحيد الذي يمكن أن يدين متهماً أو يبرئه هو القضاء، وليس صندوق الاقتراع.
قرار اللجنة البرلمانية، أو بالأحرى عرقلة أعضاء «حزب العدالة والتنمية» في اللجنة، تقديم الوزراء الأربعة للمحاكمة يحمل في طياته أسباباً كثيرة:
1- لا يريد اردوغان أن تلصق به وبحزبه أي تهمة، مهما كانت خفيفة، بالفساد، لأنها مثل كرة الثلج ستكبر لتطال الجميع بمن فيهم هو وعائلته.
2- تذهب البلاد إلى انتخابات نيابية عامة نهاية الربيع المقبل، أي بعد أشهر قليلة فقط. ونظرا لأن علب الأحذية التي كانت مخبأة فيها ملايين الدولارات، وماكينات عدّ النقود، والساعات الذهبية التي عثر عليها وغيرها في منازل الوزراء ليست افتراء، بل أدلة دامغة، فقد كان يقدر للمحاكمة لو تمت أن تخرج بنتائج مدوية على صورة «حزب العدالة والتنمية»، والأمل لدى المعارضة بتأثير ذلك على نتائج الاقتراع في الانتخابات.
3- لم يستطع أعضاء اللجنة من «العدالة والتنمية»، ولن يستطيع نواب الحزب في 29 كانون الثاني الحالي، أن يصوتوا إلى جانب تقديم الوزراء للمحاكمة. فالانتخابات على الأبواب. وعلى النائب أن يختار بين الرضوخ لطاعة سيد الحزب، أو البقاء خارج تشكيلة المرشحين للانتخابات من جديد.
لكن في المقابل، فإن عدم تقديم الوزراء للمحاكمة سوف يبقي قضية الفساد قائمة من دون ختم. إذ وحده القضاء يمكن له أن يختم القضية. وبالتالي فإن علامات الاستفهام ستبقى قائمة والشبهات لن تزول. بل إن منع المحاكمة عن الوزراء سوف يعزز تهمة تورط هؤلاء بالفساد، إذ ليس سوى البراءة القضائية، ومن قضاء مستقل، ما يمكن أن يبيض صفحتهم. وإلا لماذا الخوف من تقديم الوزراء للمحاكمة؟
ربما لن يؤثر طي ملف التحقيق مع الوزراء الأربعة على نتائج التصويت في الانتخابات النيابية المقبلة، فالعوامل التي تتحكم بخيارات الناخب التركي، خصوصا المحافظ الإسلامي منه، بعيدة عن مسألة محاسبة الضمير وتتصل أساسا بالصراع مع العلمانيين. لكن هذا لا يعفي مسؤولية الناخب الإسلامي في تركيا، وخصوصا المؤيد لـ «حزب العدالة والتنمية» من محاسبة ضميره ومساءلته عما إذا كان الدين الإسلامي يسمح بمثل هذه التجاوزات وأكل المال الحرام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عن «السفير» اللبنانية