المنبرالحر

ملفات فساد "بالقطارة" / علي علي

كم هو تعس حظ الرقم 25..! إذ هو رقم أتعبناه كثيرا في تعاملاتنا معه يوميا، من خلال عمليات الشراء والبيع. وآخر المتاعب التي سببناها له كانت في دورة برلماننا السابقة، فقد ورد ذكر هذا الرقم المسكين مغدورا، مبخسا حقه، مستصغرا حجما قدرا ومكانة وقيمة. حيث صرح أحد أعضاء لجنة النزاهة النيابية، بان اللجنة لم تحِل الى هيئة النزاهة خلال الدورة السابقة سوى 25 ملف فساد. ولاأظن أن قارئا اوسامعا اوناظرا او أي مخلوق يتمتع بحاسة من الحواس الخمس يستطيع ان يضع نسبة وتناسبا، بين ما أحيل الى الهيئة وبين ماموجود على أرض الواقع، وتحت أرض الواقع فعلا. هذا إذا افترضنا ان الملفات الخمس والعشرين أخذت دورها وفق القانون لمحاسبة المذنبين والمتورطين، وأعادت ما نهبوه الى أصحابه، لاسيما أن عدد أصحابه يربو على 35 مليون شخص.
فمن يعقل أن شيئا كهذا يحصل في بلد الحضارات ومهبط الأنبياء، ومرقد الأولياء والأتقياء؟ وإذا كان هذا حاصلا بالفعل.. فما الاجراءات المتخذة إزاءه وكيف جوبه المفسدون وأبطال هذه الملفات؟ وهل رُدع اللاحقون وأخذوا درسا مما حصل للسابقين؟ يبدو أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث ولن يحدث، إذ الطريق أمام المفسدين معبدة من دون موانع او معرقلات، بل هي غاية في السهولة والسلاسة، فالسارق والسارقة لهما مطلق الحريات وطريق الفساد مفروش بالورود لمن يطأه وبلا حساب ولا عقاب، بل قد يثاب على مايفسد وما يفعل بأموال البلاد وحقوق العباد. واللطيف أن ابرز ما أحيل الى هيئة النزاهة من ملفات هي: ملف المدارس الحديدية وملف الطائرات الكندية وملف اعمار مدينة الصدر وملف مشروع تطوير قناة الجيش وملف وزارة الخارجية، فيما لم تذكر ملفات (دسمة) هي ليست وليدة ليلة وضحاها، وجلها مضى عليها سنون مخرت بجسد البلد وبناه وهيكله؟
اليوم وفي دورة برلماننا الحالية.. كم هو عدد ملفات الفساد وما حجمها؟ وأين وصل بها المطاف؟ وما حال أبطالها؟ ولو سلمنا الى أن كل ملف من الملفات المذكورة أخذ طريقه في التحقيق والتعقيب، فهل يفضي هذا الى تحديد الشخوص المذنبين وعرضهم أمام الملأ، ووضعهم تحت طائلة القانون وتطبق عليهم مواده وفقراته كل بجريرته؟ الأمر هين جدا لو كان الشعار المرفوع (القانون فوق الجميع) هو فعلا شعار مرفوع ومفعل ومدعم ويخضع لسلطته الكبير قبل الصغير، والمسؤول قبل الموظف البسيط. لكن القانون على مابدا -ويبدو- يعلو عليه القوي متى ماشاء، وينفذ منه متى ما أراد.
هو دور على جميع الجهات المعنية والمسؤولة عن هذا الجانب في البلد القيام به على أعلى مستوى، وأولهم المفتشون العامون في وزارات الدولة ومؤسساتها، فعليهم يقع الحمل الأكبر كونهم في تماس مباشر مع المفسدين الصغار والكبار على حد سواء، وشيء مؤكد ان أغلب الفسادات تبدأ صغيرة ثم تكبر حين تجد الأرض الخصبة، والحضن الدافئ الذي يرعاها ويغذيها لتترعرع وتطول يدها، وتطال بعدها من السرقات مازاد ثمنه غير آبهة بوزنه، ذلك أن لها (ظهر) يحمل من الأثقال كبيرها، ولها (ظهير) يحميها من الرقيب وآخر ينجيها من العقاب، وإن تضاعف الرقم 25 ملايين الأضعاف.