المنبرالحر

خراب ثقافة الزمن الجميل-1- / د. علي الخالدي

إبتهل العراقيون الى الديمقراطية التي أرادها لهم العامل الخارجي بعد أسقاطه الصنم ، لكنه وضعها تحت رحمة قوى ،بعضها معاد والبعض الآخر لا يؤمن بها أصلا ، ليضعوا العقبات أمام حرية ممارستها على عناد الدستور ، وبذلك ضاع أمل المبتهلين بإحياء ثقافة الزمن الجميل ، المستمدة جذورها من الوطنية العراقية، التي فوح رحيقها شهداء الحرية والكلمة وذو المواقف المبدئية ، رواد اﻹبداع والتفكير اﻷوائل من مختلف مكونات شعبنا اﻷصيلة في اﻷربعينيات والخمسينيات ، وبعد إنتصار ثورة الفقراء ،تموز المجيدة .
فخلال عشر سنوات من تبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية أنحصرت الديمقراطية وساد التسلط الفردي ، وسرت حيرة داخلية لدى المثقفين أمام إزدواجية التعامل مع الثقافة والتنوير من قبل القائمين على هذا النهج ، فتراجعت قناعات البعض منهم وزاد تخوفهم من مواصلة طريق اﻷوائل ، وخاصة عندما إستشعروا ، سطوة التهديد ، بمصادرة حرية التعبير التي إنتهجها المتحاصصون تحت طائلة المفاهيم الطائفية واﻷثنية ، مما أعاق ممارسة الكثير من النشاطات الثقافية ، فانكفأ إحياء التراث الثقافي في السينما والمسرح وبقية الفنون ، ولم يسلم حتى السركس و مباهج الحياة اليومية ، والتي لعب رواد الثقافة اﻷوائل دورا رياديا في تطويرها وإنعاشها ، ومع هذا لم يفل عزم جمهرة من المثقفين الشباب ، فالتجؤوا الى تنظيم حملة أنا عراقي أنا أقراء ، فلاقت إنتشارا واسعا دل على تعطش العراقي للثقافة في الداخل والخارج ، بحيث جرى تبادل الكتب فيما بينهم
إن هيمنة المتحاصصين ومحسوبيهم على مواقع القرار الثقافي في الدولة ومحاولاتهم توجيه الثقافة بما يخدم أجنداتهم المتماهية مع أجندات خارجية، قد جسدوها عند إستعمالهم القوة المفرطة في تفريق مظاهرات الشباب السلمية ، التي عبرت عن الحاجة الملحة لتطبيق عملي لحقوق الناس الدستورية .
في هذه اﻷيام تخشى جماهير شعبنا أن يتبنى دعاة التغيير التساهل تجاه أعداء التغيير من باب عفى الله عما سلف ، فتستمر عكسية القيم العلائقية بين الناس والقائمين على الحكم ، وتتسع الهوة اﻹقتصادية بينهم ، ويتواصل التستر على إشغال المناصب الحساسة في الدولة من قبل أشخاص غير مؤهلين نزاهة وكفاءة، فينعكس ذلك على تغيير مسار متطلبات التغيير ، ببروز الكمي على حساب النوعي في إدارة السلطة ، وبصورة خاصة لمن إختفى وراء راية مظلومية الطوائف ، بالتبرهج في إقامة المراسيم المذهبية لهذه الطائفة أو تلك ، فيتواصل غياب لغة اﻹنفتاح والتلاقي كوسيلة من وسائل الحوار الديمقراطي بينهما، وتتحول الثقافة الى عالة على الديمقراطية السياسية ، مواصلة إبتعادها عن ثقافة الزمن الجميل وإرتباطاتها العضوية بثقافة الديمقراطية اﻹجتماعية ،مما يصعد من ردع الطارئين على الثقافة ويحصر قاموس لغة المثقفين بعملية إشارات مستترة غير معروفة لعامة الناس عن سوء اﻹدارة الفساد ، و ليختفي دورهم في وضع سبل محاربة الفساد والسلبيات و اﻷساليب ألملتوية للإلتفاف على الثقافة وحرية التعبير وحصرها بأيدي أوساط تخشى جمهرتها ،
حاليا أقتصرت جهود المثقفين على إبراز الظواهر السلبية والبعض منهم إنفرد لترديد حسن النوايا وإستنكار السلبيات دون وضع الحلول ،وإختفى دورهم في تثوير الجماهير الفقيرة للمطالبة بحقوقها وصيانتها ، ولم يجرؤ على نشر أساليب تفعيلها في عملية التغيير التي وعد بها الدكتور حيدر العبادي ، برفع صوتها عاليا من أجل مواصلته ( التغيير) فعليا وعمليا ، ومحاسبة المفسدين والفاسدين ، لتتلمس الناس بواكر نتائجه .ومما يزيد الطين بلة هو فقر مساهمة المثقفون بالنشاطات الوطنية العامة ، إعتقادا منهم أن هذا سيهادن المسؤولين ، وبصورة خاصة بخلهم في اﻷسهام بنشر ثقافة ممارسة النشاط المطلبي تراث شعبنا النضالي للتغيير