المنبرالحر

حين إبتلع أطفالنا موس آبائهم / د. ناهدة محمد علي

لقد عانى الطفل العربي من السياسات والفتن الداخلية والتخطيط الغير علمي لحياة المجتمع العربي ، ودفع الثمن الدموي جوعاً وتشرداً وخوفاً وأمراضاً إجتماعية ونفسية وجسدية .
بالأمس تشرد الطفل العراقي في شوارع بغداد وفي جميع مدن العراق ، بلا مأوى أو عائلة وبلا وطن يحميه ، ينام قرب المزابل والجوامع والفنادق ، علّه يجد اللقمة والمأوى ، واليوم يتشرد الأطفال السوريون في وطنهم وخارجه ما بين الأردن والعراق ولبنان وتركيا ، وقد يكون الذين على الحدود السورية التركية في حال أفضل من غيره لإمكانية وصول إمدادات الأمم المتحدة إليهم بشكل منظم . ويتواجد في هذه المخيمات آلاف الأطفال السوريين الذين فقدوا عوائلهم بالكامل وأصبحوا بلا مأوى في الوقت الذي تحاول الحكومة السورية إثبات مواقعها ولا وقت لديها لهؤلاء وكما جرى ويجري في العراق تماماً ، المهم هنا أن هؤلاء الأطفال لا يقعون ضمن إهتمام المثقفين العرب أو الفنانين والأدباء بشكل عام والذين يُفترض بهم النبض العالي بالقيم الإنسانية وهم وكأنهم قد إنتقلوا إلى كوكب آخر مليء بالمحبة والسلام . إن الحس الإنساني لدينا نحن العرب قد بدأ في الخفوت ومنذ زمن طويل حتى أصبح كأليد الباردة والتي طال عليها الضرب حتى لم تعد تشعر بالألم أو وخز الأزمات ، فكثُرت الكتابة عن الجمال والحب والعشق والجنس أيضاً ، وتركوا معاناة أفراد المجتمع العربي وليلهم الطويل وخاصة شريحة الأطفال ، فنحن ننام ونصحوا على قصص ودراما الحب والغزل بينما ينام الملايين من أزكى أبناء شعبنا حالمين بالخبز والدفء والمأوى . إن الإعلام العربي وخاصة الإعلام المرئي يسطر الكثير من الأرقام والحقائق لكنه لا يمتد إلى أعماق المأساة الإنسانية لهؤلاء الأطفال ، فكم فلم وثائقي أو درامي أُنتج ، وكم قصة كُتبت عن هؤلاء ، وكم صحفي شجاع تجول بين ثلوج تركيا ولبنان والعراق ليصور حال هؤلاء الأطفال ، ومن منهم من سجل دموعهم وخوفهم من الوحدة والغُربة والمجهول ، وأي من نجومنا العرب قد ترك قصره وذهب ليتجول بين الطين والثلج ليمتص عمق المأساة ، والجواب لا أحد .
قرأت مقالاً في إحدى المجلات النيوزيلندية عن إحدى الممثلات الأمريكيات وكانت الشهيرة ( أنجلينا جولي ) حيث تجولت هذه الممثلة بين خيم الأطفال اللاجئين لتسمع حكاياتهم وتلتقط صورهم وكانت أيضاً تحاول أن تختار منهم ولداً جديداً تضمه إلى مجموعتها الإنسانية من أطفال أثيوبيا وكامبوديا وفيتنام ، وأصبح أيضاً الطفل السوري ( موسى ) أحد أبنائها . لقد إستمعَت هذه الممثلة بصدق إلى أشجان الأطفال السوريين وهي ليست بحاجة إلى المزيد من الشهرة ، بل كانت على ما أعتقد بحاجة إلى إثبات إنسانيتها .
تمنيت أن تكون هذه الممثلة هي إحدى الممثلات العربيات واللواتي ينفقن الأموال الطائلة على عمليات التجميل وتغيير ملامح وجوههن وأجسادهن حتى لا يستطيع المتفرج أن يتعرف على ملامحهن سنة بعد أخرى . يبقى الإعلام العربي والفن العربي يعاني ويعالج مشكلة المال والحب ويدور في دائرة هاتين المشكلتين ، ولا يعبر الفن والفنانون العرب عن غليان المجتمع العربي بمشاكل لا عد لها ولا حصر وعلى رأسها مشكلة الطفل العربي الجائع والمتشرد والسابح في بحر الدم مرغماً .
ذكر المقال عن ( أنجلينا جولي ) أنها كانت تبكي حين سماعها لقصص الأطفال وقصص مقتل آبائهم وأمهاتهم وقد أحبتهم وأحبت ذكاءهم الفطري وتحليلهم السليم لأوضاعهم ، حيث يتمتع الطفل العربي بمشاعر نقية لم تتلوث بعد بالمصالح أو المطامع . إن حل مشكلة طفل سوري واحد لا يعني أن مشكلة الأطفال اللاجئين السوريين أو العراقيين قد حُلت ، بل سيبقى هؤلاء تحت رحمة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية العربية التي تتصدق عليهم ببعض الطعام والدواء والذي يُسلط عليها الكثير من التطبيل الإعلامي العربي وكأن ما يفعلونه هو نهاية الأحزان وآخرها . لكن الطفل العربي يبقى مطحوناً بين فكي الرحى والتي تمثل الإرهاب من جهة وعجز الدول العربية عن حماية أبنائها من جهة أخرى .
أقول نحن نطعم الإرهاب أولادنا فهو من يحاول إحتواءهم وتوفير اللقمة لهم ثم تجنيدهم ، وهكذا لقد رضي الفرد العربي أن يكون ضيفاً في بلده لكن بلده وهذا هو الأسوأ لا يرضى به حتى أن يكون ضيفاً فكيف به مواطناً .