المنبرالحر

انتاج النفط بين عقود الخدمة وعقود المشاركة / ابراهيم المشهداني

يبدو ان الازمات التي يمر بها العراق وخصوصا تقلص موارده النفطية وغياب الاستراتيجية الحكيمة على مستوى الاقتصاد بشكل عام، وعلى مستوى الانتاج النفطي بشكل خاص قادت الى رؤى وتصورات عديدة من خلال تصريحات المسؤولين كمخارج من هذه الازمة وبغض النظر عن جدية هذه التصريحات والنوايا التي تقف وراءها فلابد ان يصار الى التعامل مع الازمة بهدوء تام والنظر بتحليل عقلاني لطبيعة الازمة وأسبابها وآفاقها المستقبلية واعتماد مبدأ المشاورة في الحلول وخاصة ذات الابعاد الاستراتيجية منعا للانزلاق الى عقد اتفاقيات قد تأتي بالضرر على الاقتصاد العراقي .
فقد كشفت نشرة ميس عن تصريح لوزير النفط العراقي الحالي في كلمة القاها امام مؤتمر للطاقة والاستثمار عقد في بغداد في وقت سابق من شهر شباط اشار فيه إلى ان العراق بحاجة الى توسيع قدراته باكتشاف حقول نفطية جديدة عبر مشاريع مع شركات متخصصة او مع شركاء عراقيين وهذا يعني العودة الى عقود المشاركة التي غادرها العراق قبل اربعين عاما وغادرتها العديد من الدول ومنها دول الخليج حيث تشكل ابشع انواع الاتفاقيات وأكثرها ضررا .ولسنا ندري ما اذا كانت هذه التصريحات مجرد رؤى عابرة ولكنها من الممكن ان تتحول في ظروف معينة الى مشروع يعتقد اصحابه انه حل للخروج من الازمة الراهنة وإذا حصل مثل هذا المشروع فان النفط العراقي سيذهب الى خزائن الشركات العالمية .
و من المعروف ان الدستور العراقي اعتبر النفط والغاز ملكا للشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات وعلى هذا الاساس جرى انتقاد العقود التي ابرمتها حكومة الاقليم مع بعض الشركات الاجنبية على اساس المشاركة حيث ان مثل هذه العقود تتيح لهذه الشركات فرصة التملك في الحقول المشاركة فيها سواء المكتشفة او غير المكتشفة ومعظم العقود المبنية على هذه الصيغة قد جرى انتقادها من قبل الاقتصاديين وخاصة المختصين بالشأن النفطي والقوى السياسية التي يهمها استقلالية الاقتصاد العراقي الذي يؤسس للاستقلال السياسي .فضلا عن ان هذا الاسلوب التعاقدي ابتعدت عنه معظم البلدان الرئيسة المنتجة للنفط في خمسينات وستينات القرن الماضي ، بسبب السلبيات التي تنتج عنه والخصائص المتميزة التي يتمتع بها النفط العراقي التي تتعارض مع شروط مثل هذه العقود التي تعتبر بداية لأسلوب الخصخصة في الصناعات النفطية ، من خلال سيطرة الشركات النفطية العالمية على الحقول النفطية العملاقة . ان بإمكان العراق العمل على تطوير قطاعه النفطي ورفع مستوى الانتاج الى الحد الذي لا يخرجه عن اتفاقية الدول المصدرة للنفط (اوبك ) بالاعتماد على كوادره الوطنية واعتماد وزارة النفط على اساليب بديلة لاتفاقيات المشاركة او غيرها من الاتفاقيات التي تضع الحكومة العراقية في مواجهة الدستور .
ان الحكومة العراقية مدعوة لوضع استراتيجية جديدة على المديين المتوسط والبعيد من خلال بناء صناعة نفطية متكاملة ابتداء من عملية انتاج النفط والغاز مرورا بمرحلة صناعة التكرير بما يؤدي الى سد الحاجة المحلية والتوقف عن استيراد المشتقات النفطية من الخارج وتسرب العملة الصعبة ومن دول غير نفطية، وكذلك البتروكيمياويات بالارتباط مع القطاعات الانتاجية الاخرى ،والتعجيل بتشريع قانون النفط والغاز وإعادة تأسيس شركة النفط الوطنية، واعادة النظر باتفاقيات التراخيص النفطية الاولى والثانية بشروط جديدة لا تبنى على القدرات الانتاجية التخمينية، وإنما على اساس الانتاج الفعلي المتحقق ولفترات قصيرة اقصاها خمس سنوات قابلة للتجديد .