المنبرالحر

إزدواجية المعايير في السياسة اﻷمريكية / د. علي الخالدي

يثير العديد من بسطاء الناس في الغرب أسئلة تدور حول ماهية أسرار تدخل أمريكا وحلفائها ، بشؤون دول الشرق الوسط ،وبصورة خاصة تلك الدول التي يتصاعد فيها بإستمرار الوعي الوطني والطبقي ، وتتوسع قواعد القوى الوطنية واليسارية بين أوساط سكانها .ومن ضمن اﻷسئلة لماذا تعمل أمريكا وحلفاؤها على كل ما من شأنه تشجيع عقول معادية التحضر والتقدم ، بما فيها التكفيرية لتنمو وتتمدد في تلك البلدان ،التي تتطاير منها رائحة الذهب اﻷسود . إن أغلب المتسائلين ليس لهم علم بأن أمريكا قد دعمت اﻷخوان المسلمين في مصر بعد ثورة يوليو 1952، وهي من قامت بتقديم الدعم المادي واللوجستي لقوى الفاشية والرجعية والظلامية ﻹجهاض ثورة الفقراء تموز المجيدة في العراق ،وشجعت الدكتاتوريات للقيام بحروب محلية وإقليمية أثقلت كاهل شعوب المنطقة وأوقفت نهوضها نحو تحقيق مطامحها في تعزيز مسيرتها التحررية ، وساعدت القوى الظلامية و الجهالة المضادة للتحضر والتمدن ،في كل من تونس و سوريا والعراق وليبيا السودان مؤخرا ، بسكوتهم أولا في تضييع فرص التصدي لبناء حواضنها ،وتَغييب إستشعار شعوب المنطقة بمخاطر تحركها إلا بعد أن تمتنت عروقها في تلك البلدان ،وبدأت بتهديد مصالحها اﻷقتصادية وإللإستراتيجية ،رغم كونها على معرفة تامة بأن تنامي قوى تلك التنظيمات يؤدي أولا وأخيرا الى تفتيت الوحدة الوطنية لتلك البلدان ،وتهدد إستقرارها اﻷمني وتنسف جسور التعايش السلمي بين مكونات مجتمعاتها العرقية على الصعيد الداخلي.
لقد عملت أمريكا وحلفاؤها منذ البداية على غض الطرف من تصاعد نشاطات وشعارات القوى الدينية المتشددة ،الرامية الى زج الدين بالسياسة ،ومن تكفير العلمانيين والمنادين بالعدالة اﻹجتماعية ، وانظمة مدنية ديمقراطية ،بغية إيقاف عجلة التحضر ،وإبقاء التخلف الحضاري واﻹجتماعي سائدا في عقول المتنفذين من القادة ، داعمة ذلك بالمساعدات المادية واللوجستية وخصوصا اﻷخوان المسلمين ،كما ظهر ذلك بشكل بارز في كل من مصر وتونس بعد ما سمي بالربيع العربي ،إلا أن يقظة شعبيهما، تصدت للأجنداتها ،فأحرجتها ،وفضحت رياءها ،لكون تلك اﻷجندات تصر على فرض إسلوب ومفهوم أمريكي للديمقراطية ،لا يتماهى مع التقاليد النضالية للشعوب ،علاوة على مواقفها المتذبذة والمترددة تجاه فرصة مشاركة القوى الوطنية والتقدمية ، في عملية البناء في بعض بلدان الشرق اﻷوسط ، بينما تدعم وتساعد مؤيديها للإنفراد بالسلطة
في بعض اﻷزمنة واﻷماكن تطلق الدوائر اﻷمريكية وحلفاؤها على اﻹسلام السياسي المتشدد والقوى الظلامية ،صفة المعارضة السياسية ،أو الثوار المعتدلين . ومن أكثر اﻷسئلة إنتشارا في صفوف الناس البسطاء في الغرب ،هو لماذا تعمل أمريكا وحلفاؤها من الغرب ،وتبذل جهودا مضنية على الصعيد الدولي واﻷقليمي ،لتغييب دور القوة اﻷقليمية واﻷستراتيجية لبعض هذه الدول في إيجاد الحلول الناجعة للصراع في بلدانها خارج نطاق مصالحها ،وتعمل على إجهاض أي نشاط ﻷنظمة هذه الدول في التوازنات ذات الشأن في السياسة الداخلية والمناطقية ، وبنفس الوقت تخشى تنامي نشاط التيارات العلمانية واليسارية ،على الرغم من معرفتها التامة بنزاهة نشاطاتها وشفافية تسلكاتها الهادفة ، الى رفعة أوطانها ونصرة شعوبها ،بينما تعتمد على قوى وعناصر رفضتها الشعوب ،لعدم نقاء مبادئها وفسادها ،وتصفهم بالوطنيين أو بالمعارضين المعتدلين ، فجماعة النصرة وجند اﻷسلام والقاعدة تسلك طريق هدم كل ما يمت الى الوطنية والتراث وتذبح معارضيها كالخراف ،أو تهجرهم قسريا عند عدم مبايعتهم ، ومع هذا لم تتخذ مواقف رادعة في حينه ، توازي تمددها في المنطقة ، بل تغلس بالصمت والسكوت ،على ما يقدمه حلفائها من مساعدات مادية وعسكرية و لوجستية لتلك القوى التكفيرية والظلامية ،وتعينهم على إستغلال أراضيها ، كجسور عبور منتميها ، ليزرعوا الموت والخراب في تلك البلدان
يتبع