المنبرالحر

شبابنا أحلام وطموحات تحتضر / سهير الوندي

الشباب مرحلة عمرية تمتاز بالقوة والحيوية والنشاط، وهي من أهم المراحل العمرية حيث تتبلور من خلالها شخصية الإنسان لتتطلع إلى المستقبل بطموحات كبيرة وأحلام وردية وآمال عريضة، فالشباب ثروة وطنية إذ بسواعدهم القوية تبنى الأوطان وبعقولهم النَيّرة تُقام الحضارات وتنشأ الثقافات، فهم مقياس تَقَدُّم البلدان وتأخرها ومعيار رقيها وإنحطاطها، وهم صمام الأمان في المجتمعات كما هم في ذات الوقت مصدر الخطر عليها إن انحرفوا عن جادة الصواب وسلكوا إتجاهات خاطئة ومضادة ، وإذا أراد أي مجتمع أن يسلم من الأذى فلابدَّ أن يضع في حسبانه أهمية الشباب وخطورتهم لِما لهذه المرحلة العمرية من خصائص تتمثل بتكوين الشخصية والبحث عن الهوية المستقلة لأثبات الوجود بعيداً عن الأسرة ، ولهذا الغرض يتَّصف الشباب بروح المغامرة والمجازفة تصل أحياناً إلى المخاطرة بحياتهم وأرواحهم في سبيل تحقيق طموحاتهم وأحلامهم وإذا ما اعترضت أهدافهم في الحياة مُعوِّقات تحول دون تحقيقها فإن مآلهم إلى الإحباط والشعور بالخيبة وفي الحالات القصوى تصل إلى اليأس وهنا يكمن الخطر لأن ردود الأفعال تكون غير مضمونة وتتخذ أشكالاً متعددة كل حسب حالته النفسية والمعنوية وطريقة تفكيره وبالتالي أسلوبه في التصرف والرد على واقع صادم، ففي المجتمعات المتقدمة يتم التعامل مع فئة الشباب بأساليب حضارية تحفزهم على اداء واجباتهم إتجاه بلدانهم مع ضمان كامل حقوقهم في العيش الرغيد وبناء مستقبل مشرق وذلك من خلال توفير كل ما يستلزمهم لمساعدتهم على تحقيق طموحاتهم والوصول إلى أهدافهم في الحياة لبلوغ النجاح في جميع المجالات الحياتية وبهذه الطريقة تكسب المجتمعات شبابها ليكونوا قوة إيجابية تخدم المجتمع بدلاً من دفعهم للتمرد عليه وعلى أنفسهم وإعلان العصيان على القوانين والإنظمة وخلق الفوضى والسلوك العبثي و الإنتقامي .
في العراق يكاد يكون الإهتمام بفئة الشباب شبه معدوم أو بالأحرى معدوم تماماً ، فشبابنا بعمر الزهور يطاردهم الخوف والتوجس وتلاحقهم الخيبات من مكان إلى مكان ، حملوا طموحات كفيفة لم تبصر النور وعاشت في عتمة أمنيات لا تتحقق ، يلهثون وراء أحلامهم وما أن يقبضوا عليها حتى تتسرب من بين أصابعهم كنثار الرمل ، تحجرت أدمعهم في مآقيها وهم يشاهدون يومياً مقتل واستشهاد أقران لهم وأخوة وأصدقاء وأهل وإحبة ، إبتساماتهم ترسم الوجع وشماً على وجوههم وبات شبح الموت يرافقهم مرافقة الظل للأشياء ، وكل ينتظر دوره للرحيل دون وداع أو يحاول الهروب من واقع إليم يتجرعون مرارته يومياً حتى أوشكوا أن يستمرؤن أنفسهم غَمّاً وكمدا ، فمنهم من إجتهد طوال عمره الغَضّ في الدراسة وما ان تخرج ونال شهادة تخرجه حتى وجد البطالة في إنتظاره لتعانقه عناق الحبيبة الخائنة فافترش علمه وتلحف بشهادته يأساً ، ومنهم من حزم عمره وتسربل خيباته معلقاً ذاكرته على جدران الوطن مهاجراً يطرق أبواب الغربة سائلا عن اللجوء ، ومنهم من إلتصق خوفاً بجدران بيته خشية القتل الغير مبرر أو الموت المحتوم في تفجير مباغت ، ومنهم من لجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات ليقتل يومه الثقيل ويشغل فراغه الشاسع في الثرثرة الجوفاء ومحادثات عقيمة ، ومنهم من جار عليه الزمن والناس وتبرَّأ منه الإنصاف فحمل مظلمته في نفسه وانخرط في التنظيمات الإرهابية منتقماً من أبناء جلدته ومن المجتمع بأكمله ، ناهيك عن الذين اِنضَمَّوا إلى عصابات خطف أو سرقة وتزوير، وهناك القليل من الشباب الذين ضحكت الدنيا في وجوههم وعانقتهم الحياة عناق الأحِبَّة وهم يعيشون في كنف أُسر غنية وذات ثراء فاحش أو هم أبناء المسؤولين وأصحاب النفوذ والسلطة في الدولة فتراهم يسرحون ويمرحون داخل البلد وخارجه غير عابئين بشيء ، بينما ( ولد الخايبة ) يدفعون ثمن تواجدهم في الحياة فجائعاً وخيبات .
نأمل بل نرجوا من الحكومة والمؤسسات الاجتماعية والهيئات المختصة وجميع المنظمات والمؤسسات الشبابية أن يلتفتوا إلى شبابنا بإحتوائهم ودعمهم مادياً ومعنوياً ونفسياً واجتماعياً ومساعدتهم على بناء حياتهم وتحقيق طموحاتهم من خلال وضع الخطط المناسبة للإرتقاء بهم واتباع الأساليب الناجحة لصيانة مستقبلهم ومنعهم من أن يكونوا لقمة سائغة في فم الفساد والإنحراف والجريمة والإرهاب .وبدلاً من هدر أموال طائلة في حفلات تكريم ومهرجانات يختبىء خلف كواليسها فساداً أخلاقيا وما هي في حقيقتها سوى حفلات ومهرجانات للرذيلة إلاّ ما ندر منها كان حقيقياً ، وكذلك إستنزاف الأموال في مشاريع وهمية ذات أسماء جذابة ومضامين جوفاء يكون الأجدر ان يصرف جزء من هذه الأموال في مشاريع تخدم الشباب وتوفر لهم فرص عمل مناسبة وتحقق لهم أهدافهم في الحياة ليبنوا لأنفسهم مستقبلاً باهراً ، فهؤلاء الشباب هم واجهة العراق فلنجعل هذه الواجهة نقية صافية مشرقة لينظر العالم إليها بعين الإعجاب والإندهاش لا بعين الإستهجان والإزدراء.