المنبرالحر

التوافق السياسي في أجندات الرئاسات الثلاث / د. علي الخالدي

من المعروف أن العمل العفوي لا يمكن أن يضاهي ، العمل المدروس ، فاﻷول لا يأتي بنتائج ملموسة يتحسسها المواطن، ويتيه في دهاليز الثانونيات والذاتيات، التي لا ترتقي لقيم الطموح، بينما الثاني يؤدي الى معالجة موضوعية للمشاكل وأﻷزمات ، ويقدم حلولا واقعية لها، غير محددة بعفوية الفعل، ويخلق إنطباع جديته في صيانة المصالح الوطنية والكرامة اﻹنسانية، هذا ما لاحظه المراقبون من لقاء الرئاسات الثلاث ، فهو لم يناقش حزمة الظواهر السلبية على مسار العملية السياسية، التي تعرقل عملية التغيير المنتظر ، فلم تلمس الجماهير ولا هم ( المراقبون) على أرض الواقع ما يفيد تسريع عمليات تحرير ما دنسته داعش من عراقنا الحبيب، حيث لم تجد في البيان الختامي ما يفرحها، غير لغة محافظة مبهمة ضامرة لكثير من الحقائق التي يريد الشعب التعرف عليها، ويحقق مبتغاه في إخماد سعير التنابز و التطاحن بين الكتل واﻷحزاب، بشأن تقاسم المواقع السيادية. ومما زاد في خيبتهم، أنه بعد إختتام اللقاء مباشرة إستعملت اﻷيدي لحسم إختلاف نيات ومواقف اﻷطراف الحاكمة، مدللة على عمق الخلافات بينهم. لم يردمها التوافق ولا حتى بوس اللحى ، ومرد ذلك أن تلك اﻷحزاب والكتل قد تشكلت على أسس ومعايير طائفية ، كُرست في نهاية المطاف، نصرة هذه الطائفة وتلك، ولم تنطلق عند نشوئها من برامج تنافسية، تضع خطط إصلاح ما أفسدته الحكومات السابقة، وتنقل الشعب إلى آفاق الحرية والحياة الكريمة.
لقد جاء البيان الختامي بوصفات جاهزة الغموض، وإستعمل صيغ هلامية لا تعكس بشكل واقعي شروط تفكيك المعوقات التي تتحكم بمسار العملية السياسية، وأعطي إنطباع اﻹلتزام بنهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية، بإعتباره نهج مشتركة يوحد الكتل والحيتان الكبيرة لتقاسم الغنائم . حيث جاء فيه … بعد توحيد الرؤى والمقترحات والعمل على إقرار وضع الخطط، وتشكيل اﻷطر المتفرعة القادرة على تحقيق النتائج الفعلية المستهدفة على المدى التكتيكي واﻷستراتيجي، هذه اللغة الهلامية لم تفلح في وضع النقاط على الحروف ، وفي ختامه وجهت تحية ﻹصرار شعبنا على حماية وحدته وسيادته ، ودحره للإرهاب. وتطمينات بعقد إجتماع قريب لمتابعة ما إتفق عليه، ( على ماذا أتفق؟) وإستكمال مناقشة القضايا الملحة ، ما هي القضايا الملحة التي لم يكتمل نقاشها؟
كنا نطمح أن ينبري أحد الملتقين(وأغلبهم من المليارديرية) ويقترح التبرع شيئا من مليارداتهم، لصالح الجهد العسكري واﻷزمة اﻷقتصادية، و يدعو الى خفض مخصصاتهم ورواتبهم وحصر سفريات الوفود للأغراض المجدية فحسب، تعبيرا عن مساهمتهم مع الحكومة والمرجعية في تنفيذ نداء التقشف، لحل اﻷزمة اﻷقتصادية الخانقة ،بهذا لعولج العجز المالي لدى المركز والمحافظات، ولدفعت رواتب المقاتلين في الجبهة والعمال الذين لم يستلموا رواتبهم ﻷشهر، لكن من هذا القبيل لم يحدث، كون أن أغلب الملتقين، يحملون ثقافات متنوعة تدور في فلك الذاتيات، الغير قادرة على ضبط أدوات السلوك اﻹجتماعي لطوائفهم، و نصرة المكونات العرقية للمجتمع العراقي التي تعرضت للتهجير، وسكنت العراء في أجواء العوز واﻷمراض، ويبدوا أن ما يجمع ( الكتل) هو شهية السيطرة على الإتجاهات اﻹقتصادية الجديدة للبلد، و خصصة ممتلكات الدولة من المصانع المتوقفة، تكاملا مع سيطرتهم على عقارات ملكية المجتمع، فكل ما يسعون اليه، هو تراكم رأسمالهم عبر سياسة السوق اﻹقتصادية ، والحث على اﻹستدانة من البنك الدولي ذي اﻹملاءات المقرفة ، لتبقى الحكومة فقيرة غير قادرة على الضلوع بعملية التغيير بالواقع العراقي نحو اﻷفضل. هذه الظواهر السلبية تلقى معارضة قوية من جماهير شعبنا، وقواها الوطنية دائما، فهي لا تحل عبر لقاء مختزل، وإنما عبر مؤتمر وطني عام. يبدو أم أن ما دار في اللقاء، لم يخرج عن إطار التوافقات السياسية، وبعيدا عن مساهمة القوى الوطنية ذات الكفاءة والمهنية العراقية اﻹنتماء، اﻷمر الذي أفضى الى تصاعد شروخ بين المتخاصمين، قد تنسف التغيير المرتقب، وتعرقل كنس الدواعش من المشهد العراقي، وبناء دولة ذات كيان يدير وظيفة إجتماعية إنسانية عادلة، ذات طابع مدني، تتخلى عن نهج التوافقات السياسية السرطان الذي سيأكل الجسد العراقي.