المنبرالحر

التردد بإجراءات التغيير المرتقب وراء اﻹنفلات اﻷمني / د. علي الخالدي

بعد تبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، ليكون قاعدة لتقاسم السلطة ، وخارطة طريق لمسار العملية السياسية بعد سقوط الصنم ، دخل العراق في نفق مظلم ، تاهت في دهاليزه وحدة مكوناته العرقية ، وأهْملت تقاليد معالمها الحضارية ، بسبل متعددة ، ضيقت مجالات إبداعاتها الثقافية والفكرية لصالح سيادة اﻷفكار الظلامية ، حيث بداء هذا النهج المقيت مشواره بإعاقة كنس موروثات اﻷنظمة الرجعية والدكتاتورية ، فاتحا اﻷبواب لتشكيل ميليشيات طائفية ذات مراكز ومراجع متناقضة، لاقت التشجيع في إعلاء صوتها ، وإرتفاع مناسيب تجييشها الطائفي ، من قبل القائمين على هذا النهج . فخلق إشتداد بأسها ، خوفا مشروعا عند القوى الوطنية ، من مغبة إيصال المسلمات اﻷساسية للنزعة الطائفية لنهايتها المنطقية ،الرامية الى إضعاف متميز لمسيرة العملية السياسية ، و تجاهل تصحيح مسارها ، الذي طالبت به الجماهير ومنظمات مجتمعها المدني ، بإحداث تغيير حقيقي ملموس ، يعالج اﻷمراض التي ألمت بها ، عند إتساع سطوة من لبس رداء التدين الجديد ، على إتجاهات مسيرتها ، مواصلين الفشل في إدارة اﻷجهزة اﻷمنية واﻹدارية ، المتأتي من أنخفاض مناسيب اﻹنتماء الوطني عندهم ، منذ تجاهلهم إصلاح ماخربته اﻷنظمة السابقة في البنية اﻹجتماعية . وإبتداء مارتون سياسي الصدفة ، لتشريع قوانين تصب في صالح تعجيل تراكم إمتيازاتهم المالية ، لينظموا بزمن قياسي لصفوف مليارديري العالم ، وهم مستقوون بسطوة الميليشيات ، و إنتعاش التقاليد العشائرية البالية والمحسوبية بشكلها الطائفي المقيت
لقد ضاعت في خضم ذلك حقوق المواطن ، وهدرت مصالحه من قبل حملة اﻷفكار الظلامية ، مما جعل ، مناهضة النهج الطائفي للحكم ، عنصرا جوهريا في أجندات المثقفين وأصحاب الفكر التقدمي والتحضر ، تسيره الرغبة والطموح بتعميق الحريات وإشاعة الثقافة التقدمية المتماهية مع الوضع السياسي الملموس والمشترك بينهم . هذا الخط كان ولا يزال يرعب أصحاب النهج الطائفي والميليشيات على حد سواء ، فإشتاط غضبهم ، معبرين عنه بإعتداءات يومية سافرة بكل المقاييس،على النشاطات التحضرية للجماهير وعلى الصحافة الحرة ، فكرروا أقتحام عرين الثقافة العراقية ( إتحاد اﻷدباء) ، مستغلين إنفلات مؤشرات اﻷمن الداخلي ، في تسيير النمط الطبيعي لحياة الناس . واهمين أنهم بهذا سيسكتوا صوت مثقفي العراق ، ويكسروا أقلامهم التي تفضح على الدوام أﻷفكار الظلامية المتخلفة.
لقد أثار هجوم القوى الظلامية سابقا مقرات اﻷحزاب الوطنية ، وقبل أيام إقتحام عرين الثقافة العراقية ، حفيظة وتذمر الجماهير من تصاع النشاط الميليشياوي ، فصعد من غضبهم وإستنكارهم تجاه هذه اﻷعمال البهلوانية ، وبنفس الوقت شحذ من همتهم بالمطالبة بإبعاد كل من يمارس النزعة الطائفية عن مركز القرار . ومحاسبته عن فشله وتستره على الفاسدين ، و مساءلته عن كيفية قفزه لمواقع الرأسماليين من السحت الحرام
ومما زاد الطين بله ، ما راح إليه أحدهم ، بقوله أن إحتلال داعش للموصل جاء نتيجة حرب طائفية بين السنة والشيعة* ، متجاهلا خطورة هكذا تصريح ، على الجهود التي تبذل من أجل مصالحة وطنية جذرية ، أو كونه غير مبالي ، لجر العراق الى حرب طائفية معلنه ، دفع ثمنها بالدرجة اﻷساسية المسيحيون واﻷيزيديون وبعض الشيعة التركمان .
لقد أثارت تلك التصريحات حفيظة أصحاب خيار التغيير . ففي الوقت الذي عبروا به عن إستيائهم وسخطهم ، تواصل تحذريهم من أوهام إمكانية ، وما يبدى من إستعداد متبني النهج الطائفي ، باﻹنصياع للعبة الديمقراطية ( التوافق أو المشاركة السياسية ) ضمن الشرعية الدستورية في إستقرار اﻷوضاع ، التي تختفي وراءها وجهة نظرهم التسلطية اﻷستبدادية ، التي عكسوها بشكل غير غريب خلال العقدين الفارطين ، والتي كانت وراء جر العراق ﻵخر الصف .
الكل يعلم إن شروط إنجاح التصدي للشعارات الطائفية الجديدة وكنس داعش عن اﻷراضي المحتلة ، يتطلب تلاحم جهود محبي التغيير ، ومواصلة النضال المطلبي بشكل دؤوب ، ﻷجل عقد مؤتمر وطني عام ، يتدارس فيه من قارع الدكتاتورية ، مقومات مسيرة طرح برامج بديلة مقنعة للناس في الميادين السياسية واﻹجتماعية واﻹقتصادية ، ويرسم خارطة طريق تبعد ملوك الطوائف ودعاة تجييش المفاهيم الطائفية عن عملية التغيير .
*
ﻷول مرة ترد كلمة سنة وشيعة في مقالاتي منذ تطفلي على الكتابة قبل ست سنوات لكوني أترفع عن كتابتها