المنبرالحر

سعي محموم لتغليب الطائفية على الوطنية / مصطفى محمد غريب

لم تكن مفاجأة تصريحات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الطائفية حول سقوط أو تسليم الموصل والحرب الدائرة للحظة الراهنة، وكما يبدو أن نوري المالكي يحاول خلط الأوراق بخلق التوجس والريبة بين الشعب بدلاً من توحيد الصف في ظروف يقاتل أبناء العراق بكل مكوناته تنظيم داعش الإرهابي، فالطائفية هي الداء الذي اخذ ينخر في جسم الوحدة الوطنية والوقوف أمام التوجه لبناء دولة المواطنة، والطائفية التي ابتلى العراق ببعض ساستها الجدد، ساستها الذين تبوءوا مراكز رفيعة وحساسة في الدولة سيكون الشعب كبش فداء لها، والطائفية بهذا النهج ستتوسع وقد تضرب إطنابها على كافة المستويات ومرافق البلاد وستبقى طالما لا يتصدى الشعب العراقي وقواه الوطنية والديمقراطية لها بكل حزم وجرأة ودون أي اعتبارات توافقية أو إرضاء لأنها ستكون " القشة التي ستقصم ظهر البعير"، والطائفية ستكون كمن يحفر قبر الوحدة الوطنية ويطمرها إذا لم يجر معالجتها بشكل جذري، ولهذا أصبح واجباً على كل وطني تهمه مصلحة البلاد أن يقف بدون إي تردد ليفضح هذا النهج الذي يعتبر من اخطر الاتجاهات المؤدية للهلاك والاحتراب والتقسيم، في هذا الاتجاه ظهر رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أكثر فأكثر بأنه طائفي من الدرجة الأولى وعدواً لدوداُ للوحدة على الرغم من ادعاءاته السابقة بغير ذلك مما أدى إلى حدوث استياء واسع ليس ممن يخالفونه الرأي من قوى سياسية خارج التحالف الوطني فحسب بل من قوى أساسية في هذا التحالف واعتبروا تصريحاته الطائفية الأخيرة عبارة عن صب الزيت على النار، وكان المفروض من موقعه الوظيفي كونه نائب رئيس الجمهورية أن يكون من المدافعين عن الوحدة الوطنية ووحدة البلاد لا أن يكون أداة للاحتراب والتطاحن الطائفي، وان يكون من العاملين للحفاظ على السلم الاجتماعي وعدم تفشي الفوضى، وان لا تكون تصريحاته ساعداً ايمناً للقوى الإرهابية وفي المقدمة داعش الذي استغل تصريحاته الطائفية بحجة " الدفاع عن السنة " وحسب تقارير موثقة أن داعش قتل من السنة أضعاف مضاعفة عن ما قتل من الآخرين ، إن هذا الإشهار بالموقف الصريح من نوري المالكي الذي لم يعلنه بهذا الوضوح سابقا أثناء الثمان سنوات العجاف من رئاسته لمجس الوزراء عبارة عن موقف لا يمكن الجدل حوله وإن حاول في السابق تمويهه من خلال البعض من الادعاءات بالوطنية لكنها في الجوهر كانت طائفية بامتياز، ومع شديد الأسف بقى الرجل حاكماً مطلقاً بمساعدة من كان معه في مجلس الوزراء أو ممن ساعدوا على إفشال جلبه إلى البرلمان العراقي لمعرفة حقيقة توجهاته وسياسته وعدم احترامه لكل الاتفاقيات التي وقعها، نوري المالكي الذي يحتمي خلف منصبه الجديد كان يعرف أن المطالبة بالتحقيق القضائي سوف يطاله حتماً، وبهذا المنصب أبقى على علاقاته وتأثيراته السياسية والوظيفية لخلق العراقيل أمام أي مسعى لكشف حقيقة ما جرى للموصل وغيرها ومراهناته على إنهاء وضعها خلال شهر واحد، والسعي لإفشال مهمات رئيس الوزراء حيدر العبادى بخصوص قضايا مهمة في مقدمتها حل الخلافات مع حكومة الإقليم لصالح عموم الشعب، إضافة إلى القضايا الأخرى مثل التعاون مع دول الجوار وحل المشاكل المتعلقة منذ رئاسة نوري المالكي وكذلك قضايا اقتصادية وسياسية والحرب ضد الإرهاب وبالضد من الميليشيات المسلحة وغيرها، وأكدها بهاء الاعرجي نائب رئيس الوزراء بالقول "كثيرين تحالفوا ضد حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وخاصة (ائتلاف دولة القانون)" وتابع الاعرجي وهو عضو في التحالف الوطني " لكن المشكلة أنهم لا يريدون لهذه الحكومة أو لرئيس الوزراء أن ينجحا، وحتى لو بقي العبادي أربعة سنوات فهم يريدونه أن يبقى ضعيفاً، وبالتالي فالصراع شخصي - حزبي ومن يدفع ثمنه المواطن العراقي". هذا هو نور المالكي وهذه الإدانة صريحة حتى رفيقه حيدر العبادي وهو قيادي في حزب الدعوة لم يسلم منه فكيف الآخرين؟
لكن نوري المالكي الذي يتحمل مسؤولية تأجيج الطائفية بدأ بخلط الأوراق في ذكرى سقوط الموصل عندما أعلن عن وجود مؤامرة واتهم ساحات الاعتصام في الموصل والانبار وسامراء والحويجة بأنها كانت تدار من "غرفة عملياتها في أربيل " واعتبر ما يحدث في العراق " ثورة طائفية للسنة ضد الشيعة " وسقوط "مؤامرة"، كما هاجم البرلمان السابق متهماً أن "أوساطاً شيعية تأثرت بأفكار البعثيين والتكفيريين".
المتابعين للأوضاع وبخاصة نتائج فترة رئاسته لمجلس الوزراء وكونه وزيراً للداخلية والدفاع ووظائف أخرى عديدة يسألون عن أي مؤامرة وأي سقوط وعن أي " ثورة سنية " هذه التوجه الطائفي المقيت خالي من أي حس وطني ومملوء حتى النخاع بالطائفية، ويُظهر نفسه كونه لا يعلم أن الحقيقة لا يمكن أن تزويرها وتزييفها لأنها حقيقة معروفة لكل صاحب ضمير، ولا ينخدع بها إلا المضللين ولا يتفق معها سوى من هم على شاكلة أي طائفي يضمر الحقد والكراهية للطوائف والمذاهب الأخرى، فقد كشف عضو لجنة النزاهة النيابية عادل نوري وهو نائب عن الاتحاد الإسلامي الكردستاني من خلال تصريحاته الصحفية يوم الثلاثاء 16 / 6 / 2015 أنه " تبين أن المالكي هو من أصدر أمر انسحاب الجيش العراقي من الموصل، وتسبب في إراقة كل تلك الدماء والدمار الذي واجه إقليم كردستان " ولم يكتف عادل نوري بذلك فقد أشار أن " غيدان قال لللجنة التحقيقية إنهم انسحبوا من الموصل بأمر مباشر من رئيس الوزراء (السابق) نوري المالكي "
إن تصريحات نوري المالكي الأخيرة بخصوص وجود حرب طائفية وكأنها ثورة سنية ضد الشيعة عبارة عن تأجيج نار الفتنة الطائفية وتوسيعها بهدف غض النظر عن دوره في سقوط الموصل وأوامر الانسحاب التي كانت خلف تسليمها إلى داعش، إلا أن الأمر تطور حيث كانت ردة الفعل من قوى سياسية داخل التحاف الوطني الذي ينتمي إليه نوري المالكي وائتلافه دولة القانون، فردت كتلة الأحرار النيابية حول ما طرحه على لسان عبد العزيز الظالمي أن "ما يتحدث به المالكي الآن لا يعقله أي عراقي، كون ما حصل من فشل في العملية السياسية والفتنة طائفية كان هو السبب الرئيسي بها".كما صرح زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر مؤكداً "البعث موجود ببركة تصرفات الحكومة السابقة وازدياد نفوذ داعش" كما رد المجلس الإسلامي الأعلى على تصرحات نوري المالكي وعلى لسان القيادي في المجلس الأعلى جواد البزوني إن "ما حصل في العراق هو بسبب سوء إدارة الملف السياسي في العراق"، موضحاً بأن "معظم تصرفات الفترة السابقة من قبل نوري المالكي كانت بعيدة كل البعد عن الإدارة الحقيقية".واتهم البزوني بضياع الأموال وتساءل عن الأموال الطائلة التي لم يعرف كيف تم صرفها على الجيش العراقي واتهم " نوري المالكي والمقربين منه بالتحدث بالطائفية وتأجيجها، ولم يكن يعمل على جعل الآخرين يحترمون حكومته".ثم أضاف أن " تصريحات المالكي الأخيرة هروباً من المسؤولية" وقد طالب البزوني نوري المالكي "الاعتراف بأنه السبب في ضياع العراق ومجزرة سبايكر وبادوش وغيرها من المجازر التي حصلت بالعراق بسبب سوء تسليح الجيش وعدم تشكيله على أساس وطني عقائدي". إضافة إلى ردة الفعل الواسعة التي اعتبرت تصريحات غير مسؤولة وليس لها إلا صفة واحدة لا غيرها تأجيج نار الطائفية ودفع الأوضاع من السيئ إلى الأسوأ مما هي عليه وعدم المبالاة بالدماء التي أرهقت والأرواح التي أزهقت، وفي المضمار نفسه رد اتحاد القوى العراقية داعياً على لسان النائب صلاح الجبوري عن الاتحاد بدعوة كل الكتل السياسية الامتناع عن التصريحات الطائفية لان العراق يخوض حرباً طاحنة ضد الإرهاب والطائفية وقال جواباً على نوري المالكي " نحب أن نقول للمالكي أن داعش قتل من السنة أضعاف ما قتل من الشيعة ومن المؤسف أن تنسب داعش إلى أهل السنة وهم الآن يقاتلون الدواعش بجانب القوات الأمنية والحشد الشعبي".
أما ردة الفعل من قبل مئات المخلصين من المثقفين الوطنيين والديمقراطيين والإسلاميين وغيرهم فقد لمسها كل متابع للأوضاع السياسية بجانب ردة الفعل من قبل الملايين من العراقيين الذين يرون في الطائفية العدو اللدود للعراق ويعتبرون نوري المالكي السبب المباشر في تأجيجها وخلق هذه الفتنة التي أدت إلى آلاف الضحايا فقد صرح مسؤول قريباً إلى الحشد الشعبي أن 13 ألف من بينهم " 3 " آلاف شهيد و" 10 " آلاف مصاب عدا الضحايا بين المواطنين المدنيين وشهداء الجيش وغيرهم وأعلنت وزارة البيشمركة "أن قواتنا فقدت بمعارك مع تنظيم داعش الإرهابي 1218 شهيدا وأكثر من 7 آلاف جريحا ولدينا 45 مفقودا".عدا الخسائر المادية التي تعد بعشرات المليارات من الدولارات كان المفروض إنفاقها على البناء وتطوير البنى التحية، ـــ من هو المسؤول عن كل هذا الكم من الضحايا والخسائر ؟ ـــ أليس هو المسؤول الأول في الدولة والحكومة ويجب أن يحاكم قانونياً وأخلاقياُ؟ ـــ أليس هو من قسم أغلظ الإيمان بأن يكون أميناً وصادقاً وحريصاً وأن يحافظ على الأمانة الوطنية؟ ـــ منْ يخدع بالقول "ثورة طائفية " بينما الإرهاب يمضغ في جسد البلاد؟.
ـــ السيد حاكم الزاملي أنت القائل في المؤتمر الصحفي الذي عقدته بمبنى البرلمان أن هناك " أسماء بارزة تسببت بسقوط الموصل ونتعرض لضغوط لتحريف مسار التحقيق" الشعب يريد أن يعرف من هي الأسماء البارزة التي تسببت في السقوط! ومن هم الذين يضغطون لتحريف مسار التحقيق! أنها أمانة ومسؤولية تاريخية ووطنية أيها السيد الزاملي وإلزاماً دينياً وقانونيا أن تكشفوا الحقيقة لان الضحايا من المواطنين الأبرياء بمئات الالاف؟
ملاحظة مهمة : أثناء الدقائق الأولى من نشر المقال نشرت شفق نيوز حسب قولها عن مقرب من اللجنة التحقيقية البعض من الأسماء ثم أكد المقرب " أن هناك أسماء أخرى متورطة بشكل أو بآخر في حادثة سقوط الموصل سيتم الكشف عنها لاحقاً" نحن نعتقد أن الأسماء لا يمكن أن توازي القائد العام ووزير الدفاع والداخلية فهذه الأسماء معروفة وثانوية القرار والقرار الأساسي مصدره معروف..أما الأسماء الواردة وبخاصة ذوي الرتب العسكرية الكبيرة فمن هو الذي أعادهم وعينهم في المناصب المشار لها؟ ومن هو قائدهم ؟ أليس القائد العام للقوات المسلحة والشاطر يفهم ؟! ومن بين أبرز الأسماء "الفريق أول الركن فاروق الأعرجي مدير مكتب القائد العام السابق للقوات المسلحة بسبب عدم تبليغه المالكي برسالة موجهة إليه تفيد بسقوط الموصل، ومحافظ نينوى أثيل النجيفي، ونائبه حسن العلاف، والفريق أول الركن علي غيدان قائد القوات البرية، والفريق الركن مهدي الغراوي قائد عمليات نينوى، ومعاون قائد الشرطة الاتحادية، الفرقة الثالثة، الساحل الأيسر، والعميد الركن عبد المحسن فلحي قائد الفرقة الثانية، الشرطة الاتحادية".