المنبرالحر

أثر الفراشة / قيس قاسم العجرش

صحيح أنهاعنوان قصيدة عذبة للراحل محمود درويش، لكنها تشير أيضاً الى نظرية فلسفية وفيزيائية متقدمة في المنطق، خلاصتها أن الظروف الابتدائية البسيطة جداً التي تحيط بالحدث لحظة انطلاقه، انما تتحول الى فارق هائل في النتائج. حركة جناح فراشةٍ في اتجاهٍ معيّن قد تؤدي( مع تراكم الأحداث التي تتلو هذه الحركة)الى فرق عظيم في المُخرجات. أول من تحدث بهذا المبدأ الفيزيا- منطقي هو الاميركي ادوارد لورينتز، لكنّ قصّة حدثت في جادّة باريسية أعادت الأمر الى الأذهان. في تلك الجادّة ركنت سيارة فارهة أجنبية نوع بنتلي بطريقة خاطئة ?ما دفع البوليس الى تحرير مخالفة لها ريثما يأتي صاحبها ويدفع الغرامة المقررة قانوناً، لكن صاحبها تأخر. وتجيز القوانين في هذه الحالة أن ترفع السيارة بالرافعة وتحجزها فتزداد الغرامة.
الشرطة في باريس تستخدم لهذه المهام شركة محلية مُتعهدة، جاءت رافعة الشركة ورفعت السيارة من مكانها لكن سلسلة الرفع أفلتت وتضررت السيارة بقسوة إثر ارتطامها بالأرض. شركة التأمين كانت مضطرّة لدفع التعويض لصاحب السيارة لأن التأمين يغطّي مثل هذه الحوادث. لكن محققي شركة التأمين تابعوا الموضوع كي يفهموا لماذا سقطت السيارة من ارتفاع معيّن فاكتشفوا أن التقصير كان من طرف الشركة مالكة الرافعة وعُمّالها، لكنهم اكتشفوا ايضاً أن هذه الشركة توظّف عُمالاً غير قانونيين من المهاجرين لأنهم يتقاضون أجوراً أقل.
القضاء الفرنسي حكم لصالح شركة التأمين فيما أجبر مالك السيارة على دفع غرامة مضاعفة واجبر البوليس المحلي على فسخ العقد مع الشركة التي وظّفت عمالاً غير شرعيين. في المقابل، قام البوليس مدعوماً من الشركات التي توظّف العمالة الرخيصة بشنّ حملة على شركات التأمين في العاصمة والتي تعتاش على مقاضاة الدوائر الحكومية واكتشفوا ان هذه الشركات تعتمد في الغالب على معلوماتٍ يحصل عليها محققون مستقلون مُستأجرون عن طريق رشوةِ بعض رجال البلدية والعاملين في القطاع العام وفي الادارة المحلية. وكانت قضية جديدة، عنوانها «شركات التأمين، والرشوة المدنية».
اتّحدت شركات التأمين في ردّ منها وساندت اضراباً يخطط له العاملون في قطاع النقل بالضّد من الضريبة التي تستقطعها الادارة المحلية والتي يقول هؤلاء العاملين عنها إنّها قد استـُقطعت عملياً من ساعاتهم الاضافية وإجازاتهم المدفوعة الثمن. ثم دخلت المصارف المحليّة على الخط لأنها تضررت نتيجة خفض الساعات الاضافية للعاملين في قطاع النقل الذين هُم عُملاء مَدينين لها.. واستمرّت القضية .. هل هناك بعد من لم يؤمن بأثر الفراشة؟