المنبرالحر

لماذا يصفق العراقيون بيد واحدة / د. ناهدة محمد علي

يتساءل دائماً المثقفون العراقيون وحتى العرب منهم لمَ لم يستطع السياسيون العراقيون أن يتفقوا جميعاً على الصح وإتفقوا جميعاً على الخطأ ذاته ، فهم يسيرون بصف واحد نحو الكرسي ومتى ما وصلوا إليه تفرقوا كصفوف النمل التي تنحدر سريعاً نحو ثقوبها ناشطة بجمع ذخيرتها الخاصة بها . لكل عراقيي الأرض ترن كلمة الديمقراطية في كل خطاب سياسي وفي شعار كل حزب وفي تسمية معظم الأحزاب ، ولا نجدأي تطبيق حرفي أو معنوي لمعنى هذه الكلمة والتي فيها تتطور الشعوب وبدونها تنهار ، وبها تتقدم كل دول العالم ، منذ إنهار بسببها سجن الباستيل ، لكننا بها نتفرق وبها نختلف ، فها هم السياسيون يمسكون بشعارهم لكنهم يقولون من يخالفني هو ضدي ومن يحاورني هو نقيضي ومن يكشف أخطائي هو عدوي ومن يطالب بالتغيير السياسي أو الإجتماعي هو دكتاتوري . وعلى هذا الأساس تعددت أهداف السياسيين العراقيين وإختلفت نهاراً وتوحدت في ظلام الليل ، وعلى هذا الأساس أيضاً لم ينجزوا ولا هدف واحد وكل ما أراده الشعب البسيط هو الغذاء والدواء والماء ، ثم طمحوا فحلموا بالكهرباء خاصة في الصيف القائض ، وحينما طالبوا بالحد الأدنى لم يطمحوا أن تمتلئ ثلاجاتهم بأطعمة المنطقة الخضراء ، ولم يطمحوا أن يمتلكوا بيوتاً فاخرة كبيوت الوزراء ، ولم يطمحوا أيضاً أن يجدوا العلاج المجاني لأوجاعهم ، وكل ما أرادوه هو بيوتاً آمنة وباردة يهربون بها من لهيب الشمس . لكن الخُطب السياسية المشتعلة ظلت تلهب ظهورهم .
في كل دول العالم لا يستطيع أي رئيس وزراء أن يصمد ليومين متتاليين أمام أمواج المظاهرات الغاضبة ، وقد يسقط رئيس الوزراء لمطلب دافعي الضرائب أو لأجل توفير فرص عمل أكثر ، أما نحن العراقيون فلم نعد نحلم ، فالأحلام قد مُنعت في بلاد الأساطير السياسية ، وإلا لمَ لا يستطيع بلد يملك ثالث إحتياطي نفطي بالعالم أن يوفر التيار الكهربائي لكل فرد ولكل بيت ولكل كوخ ، ولمَ يظهر السياسيون العراقيون بشكل تهريجي مزيف أيام الإنتخابات ومن ثم ينتفخوا وينتفشوا كألنطيحة في صحراء العرب ، ومن ثم تنبعث من أجسادهم الروائح الكريهة . وقد يصفق إبن الشارع لهذا أو ذاك أملاً به ، ومن المضحك المبكي هنا أن هذا يذهب بسيارته الفارهة وحمايته إلى قصره وذاك يذهب بأحلامه الصيفية إلى كوخه وكل منهم يحلم على قدر حجمه ، وكل منهم يعتقد أنه يحلم بالأفضل ، فذاك يحلم بأرباح النفط وصعودها ونزولها وهذا يحلم بليلة باردة ينام فيها ولا يستيقظ أبداً .
من المعروف أن كل سياسي وقائد هو المربي الأكبر لشعبه لأنه يقع في بقعة الضوء ، ولذا تحول الكثير من العراقيين قبل حوالي عقدين من الزمن إلى لصوص وجزارين ، ثم تحول الكثير الآن إلى متسولين أو مرتشين وبقي الكثير وهم يعضون بأسنانهم على شرفهم ويحلمون فقط ، أما سياسيو العراق فقد جعلوا وبدهاء الدين وسيلة لكي لا يُناقشوا ثم وضعوا الحسين وسيلة لكي لا يُقتلوا ، ثم وضعوا أيضاً الإرهاب وسيلة لكي لا يُحاسبوا .