المنبرالحر

تكفير الآخر هو الكفر بعينه / د.علي الخالدي

من أبشع المحرمات كما يؤكده رجال الدين هو التزمت ، ومن أسراره التوظيف اﻹنتقائي للمذهب و الحنث زورا ، وخنق اﻷفكار التي تعلم النقاش والحوار بالمنطق ، الذي يصبح هو السائد في النهاية ، بينما يُعتبر التستر على سارق المال العام ، من أشد الموبقات ، يجهض تجربة أية فكر، ويواصل فشلها ويشوهها أمام المراقبين ، وتزداد بشاعة اﻷمر ، عندما يُحاول إيجاد سبل إلتفافية لمواصلة القائم بذلك ، بالبقاء في موقعه أو بمنصبه ، أو يستبدل على طريقة علاوي بعليوي ، ليبقى نفس الحمام ونفس الطاس ، على حساب ذوي الكفاءة واﻷيادي البيضاء و معتمدي مبدأ المواطنة واﻹخلاص للواجب اﻹنساني والمهني ، عبر ما يملكوه من إمكانية وقدرة على ربط مباديء البناء وخدمة الشعب والوطن بالعدل والعدالة اﻹجتماعية .
لقدوُصفَ أمثال مثل هؤلاء بخدام الشعب ، بينما من يُعَضد ويتغاضى عن وضع الشخص غير المناسب في المكان المناسب ، ﻹعاقة تحقيق خطوات نصرة الشعوب المغلوبة على أمرها ، فيوصف كما وُصفَ ، الساكت عن الحق بالشيطان اﻷخرس ، هذا ما تعلمته الناس عبر تاريخ نضالها المطلبي.
من تلك المنطلقات حافظت الجماهير وقواها الوطنية على التمسك بتلك القيم والمسلمات مستلهمة منها الدروس والعبر ، في كيفية الذود عن كرامتها ، ومحاسبة كل من تسول له نفسه في توظيف المنصب لتحقيق مآربه الذاتية والحزبية والكتلية ، التي ستقود به في نهاية المطاف الى اﻹساءة اليهما ، عبر قصوره في أداء المهمة التي أوكلت اليه ، وخاصة أولئك الذين لبسوا عباءة المذهب والطائفة ، وأقسموا زورا على خدمة الشعب والوطن ، وأستغلوا مناصبهم السيادية ﻷقحام رؤوس البسطاء من الناس بفكرة نصرته هذه الطائفة وتلك ، وبصورة خاصة من ربط الدين بالسياسة ، ليكتسب شرعية و أطيعوا اولي اﻷمر، وإمتلك حق إطلاق تهم باطلة ،على كل من يخالفه الرأي والموقف ، باللامتدين . إن أمثال هؤلاء قد نهت عنه المراجع الدينية، وطالبتهم بإكمال دينهم ، اذ مجرد تكفيرهم أبناء جلدتهم هو الكفر بعينه . باﻹستجابة لمطالب المنتفضين ﻷنقاذ الوطن من المأسي والويلات التي أتت عليها تجربتهم الفاشلة ، و تعايشوا معها مدة عقدين من الزمن .
لقد جيء بمعظم أولئك من دول اللجوء الكافرة المعادية للدين والقومية على حد قولهم ، مكتسبين خبرة ، في كيفية إستغلال المنصب والمواطن بالتحايل ، والتلون ولبس عباءة اﻷسلام (يخلعوها عند زيارة بلدان جنسيتهم الثانية) فإستطاعوا فرض إرادتهم على من قاسى مآسي الحصار وهو يناهض الدكتاتورية . بل تمادوا في ذلك وأطلقوا على من يطالبوا بإحقاق الحق ، بالخارجون عن المألوف ، لا دين لهم ، لمجرد رفعهم شعارات مكافحة الفساد ، وتأشيرهم على الفاسدين ، وسراق المال العام، ومطالبين بمحاسبتهم وتحميلهم مسؤولية إحتلال الموصل وأمتداد داعش ، وجريمة سبايكر والمئات من المجازر التي حلت بالعراق منذ تبنيهم نهج المحاصصة الطائفية واﻹثنية المقيت ،. لهذه اﻷسباب وتلك رفعت الجماهير المتظاهرة يدها عنهم ، ومدتها لمن وهب حياته لخدمتها ،من الساعين للتغيير ، وإصلاح ما خربوه طيلة تقلدهم المناصب ، في كافة اﻷجهزة اﻷمنية واﻷدارية.
إن أمثال هؤلاء لن يركنوا الى السكينة ، بل سيواصلون زرع العقبات أمام تحقيق مطاليب المنتفضين أصحاب الفكر الجمعي , وبإتهام مريدي التغيير و اﻹصلاح بالخروج عن الدستور والقواعد المعمول بها لتقاسم السلطة ، فعلى الرغم من التخويل الذي منحه المتظاهرون والمرجعية الدينية لهم ، يبقى التردد والتخوف من المضي قدما بحزمة اﻹصلاحات سيد الموقف ليومنا هذا ، مما يعرقل القيام بإجراءات ملموسة ، في مقدمتها الضرب بيد من حديد على الفساد والفاسدين كما طالبت به الجماهير والمرجعية ، واﻹتيان بأشخاص حريصين على مواصلة طريق العطاء ، ﻷنه لم يعد مكان للمجرب في سوء اﻹدارة والفساد ، ولذوي نمط التفكير الذي لا يتماهى ومطاليب المنتفضين .
فالجدار الصلب الذي شيدته الجماهير المنتفضة ليسند مطلق حزمة اﻹصلاح ظهره عليه ، كفيل بصد كل من يحاول أفشال التغيير ، فهذه الفرصة اﻹستثنائية من الدعم واﻹسناد لم تمنح سوى لشهيد ثورة الفقراء عبد الكريم قاسم ، ( تجاهلها البعض ) صاحب مقولة عفى الله عما سلف ، فهل سيلدغ شعبنا بهذه المقولة مرة ثانية .
إن تفادي وقوعنا بنفس المطب ، يتطلب من المنتفضين صناعة معادلات جديدة تتماهى مع مطاليب المتظاهرين ، بالتزامن مع فضح المعادين للإصلاح من دواعش الداخل الذين يسعون الى زج البلطجية ، بين صفوف المنتفضين ، ليقوموا بأعمال إرهابية ، تقود الى بلبلة ، بين صفوف المنتفضين بهذا الشكل أو ذاك ، قد تؤثر على معنويات تصدي قواتنا المسلحة لدواعش الخارج في الموصل والرمادي.