المنبرالحر

الجغرافية وسياسية اﻷحزاب المذهبية والقومية لا تكفل نجاح تقسيم البلدان / د. علي الخالدي

تبني أمريكا سياستها عندما تريد تفليش كيان بلد ما ، ذي مكونات عرقية متعددة الديانات والمذاهب الى كيانات متعددة ، على أساس أنها تستجيب ﻷجندات أحزاب طائفية أو قومية . بالضد من إﻹرادة الجمعية لشعوبها ، يساعدها في ذلك وقائع ملموسة في جغرافية البلد . يأتي تطبيق خططها سياسيا ،بطرق ملتوية ، في مقدمتها ، يقع إدخال إحداثيات ، غريبة عن عادات وتقاليد الشعوب في العقول الطرية لبعض قادة تلك اﻷحزاب ، من شأنها تصيعد النزعة اﻷنفصالية ، في البلد المعني ، وإستحداث مصوغات لا تعرفها حتى تاريخيا المكونات العرقية المشكلة للنسيج اﻹجتماعي المتجانس لشعب ذلك البلد ، وتعمل على دغدغة عواطف الناس طائفيا وقوميا ، وصولا الى تغيبب اﻹنتماء الوطني ، ورفع مستوى منسوب الهوية القومية والمذهبية.
فالتغيرات السياسية والجغرافية في بلدان شرق أوروبا ، التي جرت في أواخر القرن الماضي قد تمت بذلك اﻷسلوب ، مضيفين إليها الحرب الباردة بين المعسكر اﻹشتراكي والرأسمالي ، مما أوقع شعوبها ، تحت رحمة إزدواجية أﻹستراتيجية اﻷمريكية ، وما فرض على حكوماتها من إنتهاج سياسة السوق التي أفقرتها ، وأوقفت عملية تنميتها وطنيا ، في إطار ديمقراطية كسيحة لم توفر أدنى حد من العدالة اﻹجتماعية ، لدرجة أن هذه المكونات بدأت مؤخرا تتحسس مساويء وقوفها بجانب اﻹنفصال ، بعيدا عن مبدأ تحقيق المصير للشعوب واﻷمم ، وتندم على إصطفافها لصالح دعم الأجندات أﻷمريكية الوقحة.
لقد إنفرد العراق بواقع مغاير نوعا ما ، ذلك أن اﻹدارة اﻷمريكية ، إستطاعت وضع حراك المعارضة اﻹسلامية والقومية للنظام الدكتاتوري في الخارج ، تحت نفوذ أجنداتها ، مستغلة تعطشها ، ﻹسقاطه بأي وسيلة كانت ، حتى لو مست بسوء الوطنية العراقية سياسيا وإقتصاديا
لكن اﻷحزاب الوطنية التي قارعت الدكتاتورية في الداخل ، أدركت بعد إسقاط الصنم ، أن أﻹدارة اﻷمريكية ، تعمل على تطبيق أجندتها فحسب . وخاصة عند إلزام القائمين على موقع القرار بتبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ألمقيت ، في تقسيم مواقع الحكم بين اﻷحزاب الطائفية والقومية . هادفة من وراء ذلك ، أن يؤدي هذا النهج المقيت الى خلخلة الثوابت الوطنية التي نشأت في معركة التصدي للنظام الدكتاتوري ، فقادت البلاد الى ويلات ومآسي ضاعفت من معاناة مكوناته العرقية ، ومست اﻹستقلال الوطني ، وهيأت الظروف الموضوعية والذاتية ، التي كانت وراء إحتلال داعش لثلث أراضي الوطن ، سيما وإن أﻷغلبية العظمى من متبني النهج الطائفي ، لم يشاطروا الشعب العراقي ،عسف الدكتاتورية ومنغصاتها ومتاعب الحياة المعيشية في ظلها . ولم يدفعوا ضريبة النضال ضدها ، وقد جيء بالبعض منهم من الخارج ، وكل ما حملوه معهم إلى الوطن ، هو هوية اﻹنتماء للأحزاب اﻹسلامية والقومية ، وإﻹمكانيات في صنع الكلمات والخطب التي تهيج المشاعر القومية و المذهبية بين الناس . هذه المشاعر المزينة بشعارات مذهبية وجغرافية، شجعت على اﻷحتراب المذهبي والطائفي ، وهي تنسجم وأفكار بعض المتنفذين في قيادة تلك اﻷحزاب القائمة على الحكم . وبنفس الوقت متماهية مع اﻷجندات اﻷمريكية . ولمواصلة مآرب نهجهم هذا ، رحبوا بمشروع بايدن لتقسيم العراق ، وزادهم ثقة ، ما يطرح من مشاريع وأفكار لتقسيم دول الشرق اﻷوسط اﻷخرى كسوريا وليبيا واليمن.
من هذا المنطلق تلقى اﻷحزاب الطائفية والقومية كل الدعم اللوجستي والمادي اﻷمريكي ، و في نفس الوقت تحارب ( أمريكا )اﻷحزاب العلمانية ،التي أثبت الواقع نظافة فكرها قبل أيديها ، في البلدان التي تريد تفليشها ، وتقسيمها . لمعرفتها أن دعمها ذلك يقود بنهاية المطاف الى تقليص المفهوم الوطني واﻹنتماء له ، وهذا بحد ذاته كافيا ، الى أن يفرض المتصيدون بالماء العكر، تحديد إتجاه حركة الفكر والثقافة للروح واﻹنتماء الوطني بقوانين تنبع من وحي أفكارهم ، بما ينسجم ومشروع التقسيم ، تأتي هذه اﻷفكار والدس الخبيث ، كحل يرضي ، اﻷحزاب والكتل المتناحرة ،وخصوصا في العراق وسوريا.
ومع تصاعد زخم المظاهرات التي عمت أرجاء العراق ، وهي تطالب بمحاربة الفساد وتطهير أجهزة الدولة من الفاسدين الذين أوصلوا الوطن الى حافة الهاوية ، ومحاسبتهم ، قضائيا ، وإسترجاع ما سرقوه من المال العام ، يرتفع صوت الجماهير ضد مشروع بايدن، والسائرين معه بإتجاه التقسيم ، ويزداد إصرار كافة مكونات شعبنا بالتمسك بإستحقاقات اﻹصلاح الحقيقية ، التي تضمن وحدة تراب الوطن سياسيا وجغرافيا .