المنبرالحر

الدين لا يُعتنق باﻹكراه / د. علي الخالدي

دعا بطريرك الكلدان في العراق والعالم، لويس روفائيل الأول ساكو ، الخميس الماضي البرلمان إلى إلغاء ، المواد المجحفة لحقوق اﻹنسان ،في قانون الأحوال الشخصية ، الذي يراد نسخ أحدى مواده المثيرة للجدل في هوية اﻷحوال المدنية . اي ذكر ديانة حامل الهوية الكترونية فيها . اليوم يعاود القائمون على مواقع الحكم من اﻹسلاميين ، ومنتهجي الطائفية المقيتة ، التأكيد على قانونية إطلاق أسلمة الطفل القاصر ، في حالة اعتناق أحد الوالدين الدين اﻹسلامي . وإلحاق كل اﻷطفال غير الراشدين بمن أشهره من الوالدين وإعتبار ذلك أمرا روتينيا ، ويخيرا الزوجان بين الإسلام أو التفريق بينهما ، أي الطلاق ، والسؤال الذي يطرح نفسه إذا ترك الزوج أو الزوجة الدين اﻹسلامي الى المسيحية هل يجري عليهما الحكم السابق ، أم يعامل كمرتد ، ومعروف عقاب المرتد ، وهو قطع العنق كما يجري حاليا في بعض الدول اﻹسلامية . يبدو أن اﻷمر تختفي وراءه نزعة أسلمة المجتمع بكل مكوناته كما يريد البعض.
هذا القانون وغيره من القوانين التي تتدخل في الحياة اﻷجتماعية للفرد تعيد الى اﻷذهان خطل الحملة اﻹيمانية التي إبتدعها الدكتاتور صدام ، التي هدف من ورائها إظهار تقواه وإنحيازه الى مباديء الدين اﻹسلامي ، وتغطية جرائمه بحق الشعب والوطن . كما يذكرنا بقانون الجعفري الذي ارادوه أن يكون عامل تفرقة بين اﻷديان التي تعتنقها مكونات شعبنا العرقية، وإجحاف بحقوق المرأة العراقية ، ومن كان وراءه ، هو نفس المتنفذ الذي أراد أن يتقيد جميع الناس بما تريده أفكاره في طريقة تطبيق الشريعة اﻹسلامية.
من المعلوم أن الدين لا يورث جينيا عن طريق الكروموسومات التي تنقل الصفات الوراثية الى اﻷجيال ، فالدين مكتسب و يعتنق به فكريا ، ويلتزم بتعاليمه ، عن قناعة وإدراك وفق تماهيه مع ثقافة وإدراك الفرد . في مجرى حياته اليومية . لكن في الدول أﻹسلامية ، يسجل دين الطفل في شهادة ميلاده ، ويبدأ بحقنه ، بتعاليم اﻹسلام منذ نعومة أظافره ، و في الصفوف اﻷبتدائية اﻷولى يُحَفظ إجباريا جزء عم ، ناهيك عن ما يجري من تعليم خارجها ، دون سن البلوغ.
في الدول التي تعتنق شعوبها المسيحية لا تشير دساتيرها الى دين الدولة ، ولا يسجل دين الطفل في شهادة ميلاده ، كما لا تسجل الديانة في هوية اﻷحوال المدنية ، ولا في جواز سفره وهذا ما يعرفه كل من جيء بهم من الخارج ، من حملة الجنسية المزدوجة ، ليحتلوا مواقع إدارة البلد بعد سقوط الصنم . إن إثارة هكذا أمور من شأنها أن تصعد الخلاف بين اﻷديان ويعطي إنطباع سيادة الدين اﻷسلامي على بقية الديانات التي تعتنقها مكونات شعبنا العرقية ، وخاصة عندما لا يتم الرجوع للمؤسسات الدينية المعنية ، ويظهر المحاباة و التملق للقوى الظلامية وداعش التي ترعى نشر اﻹسلام باﻹكراه ، كما أنه لا يخلو من التغطية على فساد وفشل بعض القائمين على الحكم ، في هذه الظروف التي أوصلت الشعب والوطن الى حافة هاوية سحيقة ، وهو لا يعد قرارا ناجحا ، ونصرا على القوم الكافرين الذين عاشوا في ظل عدالة ومساواة مع أخوتهم في الخلق من الديانات العرقية في العراق منذ عصور
أن ما ذهب اليه البرلمانيون الى أن الدين اﻹسلامي يستقيم بفرض قوانين تجبر الناس على إعتناقه ، وكأنما يريدوا بذلك التقرب من تطبيق مفاهيم سلفية ، التي لا تؤمن بأن أعتناق اﻹسلام "مسألة شخصية بين الإنسان وربه"، وتجبر الناس بإساليب متنوعة على إعتناقه بما فيها التهديد بالقتل ، كما تفعل داعش والوهابية ، إن إعتناق أي دين كان يأتي عن قناعة وليس بـ"الإكراه"، ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين وليس في القرون الغابرة
من هنا يُدرك حقيقة تهافت اﻷحزاب اﻹسلامية وإستغلال كافة الوسائل الشرعية وغير الشرعية في تحقيق السيطرة على الحكم لتكون بيدها فحسب ، السلطة والمال ، عندها تبدأ بإجراءات مضايقة معتنقي الديانة غير اﻹسلامية في ممارسة شعاراتهم ، وما ضم اﻷطفال غير الراشدين الى أحضان من أسلم ، إلا إحدى ممارسات التضييق على معتنقي الديانة غير اﻹسلامية .
لقد وجه بطريرك الكلدان على العالم ساكو رسالة ، يطالب بها مجلس النواب العراقي ، يإلغاء المادة2/26 ، والمتعلقة بالأولاد القاصرين في رسالة وجهها ،إلى رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، مشيرا الى أنه من أﻹنصاف والمعقول ديمقراطيا وإجتماعيا ، بأن يترك الطفل غير الراشد ، ليحدد تدينه عند بلوغه سن الرشد ، في الحالة التي أشير اليها ، فالتشبث بفرض الدين الذي أشهره أحد والدية ، لا إساءة له فحسب ،وإنما إساءة للدين ، وخاصة إن لم يكن مقتنعا به ،علاوة على دلالته بعدم إحترام شرعية تواجد الديانات السماوية اﻷخرى في وادي الرافدين ، كما إنه ينتهك المادة 2/37 من الدستور العراقي التي تضمن تكفل الدولة بحماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني".