المنبرالحر

مركب المغتربين / طه رشيد

شهد العراق الحديث تهجيرين وثلاث هجرات كبرى. التهجير الاول كان لطائفة اليهود العراقيين في خمسينيات القرن الماضي والتهجير الثاني كان على ايادي ازلام النظام السابق ضد الاكراد الفيلية. اما الهجرات الكبرى فاولها كان في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات بسبب اشتداد الملاحقة من قبل النظام المقبور للعناصر اليسارية والديمقراطية. والهجرة الثانية في التسعينيات، أيام الانتفاضة الآذارية والحصار القاتل. اما الثالثة، والتي نتمنى أن تكون الأخيرة، فهي التي تحدث هذه الأيام، وهي هجرة محفوفة بالمخاطر الحقيقية والتي راح ضحيته? عدد كبير من العراقيين، غرقى في بحر متلاطم الامواج يشبه الوطن الذي غادروه!
كان أفراد الهجرة الأولى معظمهم من الأدباء والفنانين والصحفيين، وقد استطاعوا أن يتأقلموا مع مغترباتهم في منافيهم الجديدة وقدموا خدمات جليلة في شتى اختصاصاتهم. كان معظمهم بعمر الورد، واستطاعت الأغلبية ان تربي عوائلها الجديدة على حب الوطن، حتى أصبحت أمنية الجيل الثاني هي زيارة العراق والتمتع بنهريه وشموسه. ولقد وقف جيل المنفيين الأول مع العراق واهله في محنتهم، وفيهم من استشهد من أجل عراق ديمقراطي موحد.
المسرحيون منهم، وبالرغم من تقدم العمر وضعف الحال والأحوال، إلا انهم ما زالوا يصرون على أن يقدموا الجديد شكلا ومضمونا مستثمرين اطلاعهم على التجارب الفريدة في مغترباتهم ومتخذين من مشاكل أبناء جلدتهم مواضيع لأعمالهم المسرحية. التجربة الأخيرة أو بالأحرى التجربة الجديدة التي يخوضها الفنان المسرحي المغترب سلام الصكر تستدعي أكثر من وقفة، فقد كتب مؤخرا نصا مسرحيا أسماه « المركب» وهو يحكي قصة مدرسة من طائفة معينة، تهرب نتيجة الملاحقة والتهديد بالقتل العمد، وتضطر للصعود في مركب مهجور وتفاجأ بوجود شخص آخر من طائفة اخرى مهدد بالقتل من قبل طائفته ولتكتشف في نهاية الرحلة البحرية الشاقة على ذلك المركب - الوطن بان مهنته كعازف وصانع اعواد جعلته هدفا للقتل والتصفية.
قام سلام الصكر باخراج العمل وتقاسم مع الفنانة المغتربة نضال عبد الكريم البطولة وقد عرضه في أكثر من مدينة سويدية كما عرضه قبل أيام في كوبنهاجن عاصمة الدنمارك وقد وصلت للصكر مؤخرا دعوة من اربيل لعرض عمله في اقليم كردستان وهو يامل تقديم عمله في بغداد، بعد ان تؤمن احدى المؤسسات المهتمة بالمسرح بدعوته !! خاصة وأن عمله منصب تماما على محاربة الطائفية المقيتة .
المسرحيون العراقيون في المنافي كانوا دائما بمستوى المسؤولية فيما يتعلق بالشأن الوطني ، من جواد الاسدي في بيروت وعلي ريسان في السويد وحازم كمال الدين في بلجيكا وفاروق صبري في نيوزلندا وروناك شوقي في لندن وأحمد شرجي وأصدقائه في هولندا.. والقائمة تطول .كلهم وقفوا مع شعبنا بالأمس البعيد والقريب، واليوم وفي هذا الظرف الصعب الذي يمر به الوطن فإنهم، مسرحيونا في الغربة، لم يقبلوا بدور المتفرج بل نزلوا للساحة كلاعبين اساسيين هناك من أجل الـ ( هنا)!