المنبرالحر

في ذكرى مجزرة كنيسة سيدة النجاة.. قوانين تهضم حقوق المسيحيين/ د. علي الخالدي

يفتخر بعض المسؤولون في مواقع القرار بأن مكونات شعبنا العرقية تشكل فسيفساء ( شدة ورد ) متعددة اﻷلوان ، كانت ولا زالت الصفة المميزة ، والقيمَة الظاهرة لعراق اﻷمس والغد ، فالمسيحيون والصابئة المندائيون واﻹيزيدون واليهود سابقا ، سكنة أرض ما بين النهرين تعايشوا مع بعضهم بوئام ومحبة ، وأقاموا مع المسلمين حضارة أغنت شعوب العالم بعلومها ومعارفها . تقاسموا ما حل بالعراق من عسر حال ، وعسر مصير ، وبقوا متماسكين منسجمين لقرون عدة ، متصدين لمشاريع السيطرة على خيراتهم ، الى أن خرج عليهم الطامعون وهم يحملون معاول تفليش هذا التجانس الذي وقف وراء تلك الحضارة ، ممن توافقت مصالحهم وموروثاتهم العقدية والبيئية مع مصالح الغرب وأطماعه فتلقح الفكر الصهيوني الدموي مع البداوة ، فكانت الولادة فكرا هجيناً نجح في تهجير اليهود من العراق ، في أواسط القرن الماضي ، وتواصل تلقيح أﻷفكار في المنطقة ، فجاء بولد مخبول عاق سموه طالبان ، فأصبح أداتهم الضاربة للتحضر والمدنية في المنطقة ، وعندما قوي عضده تمرد على الطرفين ، منجبا ذئبين داعش والنصرة ، ليواصلوا محاربة ما بدأته طلبان بتهديم حدود الدول ، التي رسمتها معاهدة سايسبيكو (ستمر ذكراها المائة بعد أيام )و تفليش مجتماعاتها ونسف تراث مكوناتها العرقية ، بمعاول أمريكية وإقامة دويلات ضعيفة على أنقاضه ، تماشيا مع النزعات والمصالح اﻷقليمية والدولية التي نسجتها أفكارهم الهجينة في المنطقة.
لقد توج المسيحيون وبقية مكونات شعوب المنطقة إنتماءاتهم الوطنية ، على مر السنين ، بتضحيات وعطاء متواصل من أجل نصرة أوطانهم ورفعتها ، على مختلف اﻷصعدة ، فما قدمه مسيحيو العراق على سبيل المثال لا الحصر ، كان وراء رفع مكانة العراق وسمو سمعته بين اﻷمم ، جاعلين اﻹنتماء له هوية ، (أنا عراقي أنا مسيحي ) ، ولم يبخلوا بتنمية ثقافة الآخرين اللغوية (اﻷب أنستاس) . ومع تكاثر من تنكر لتلك اﻹنجازات ، ممن حذقوا في التلون ولبس رداء الدين والمذهب في أرض الرافدين ، لم يكتفوا بترحيب ما طرحة سيء الصيت بريمر، بتبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ألمقيت أس بلاءاتنا ومآسينا ، ومعهم من جيء بهم من الخارج من مزدوجي الجنسية وممن نسى إلتزاماته الوطنية العراقية بسهره على تجيير مردودات إسقاط الدكتاتورية لصالحه وصالح أحزابه ، التي لم يكتفوا بربطها بأجندات دول الجوار ، فأخذوا يخرجون علينا بين حين وآخر ، ولدوافع متعددة اﻷغراض بقوانين وقرارات ، تختفي وراءها نزعة طائفية متطرفة تهضم حقوق تلك المكونات . وتوقيت صدورها في الذكرى الخامسة لمجزرة كنيسة سيدة النجاة ، قد أيقظ هواجس اﻷحداث التي مرت على مكونات شعبنا العرقية وأعادت الى اﻷذهان محاولات احداث فصام بينها من حيث التركيب اﻷجتماعي والجغرافيا ، توجت مؤخرا بتشريع قانون البطاقة الوطنية ، هذا القانون الذي لا يهضم حقوق المكونات العرقية غير المسلمة فحسب ، وإنما يشخص هوية المواطن غير المسلم الدينية الذي تستهدفه عناصر القوى الظلامية . (وخشيتنا أن يتمادوا ويطالبوا بتشخيص مذهبية المواطن في بطاقة اﻷحوال المدنية ) إنهم بهذا قد داسوا على مواد الدستور التي تكفل حماية ديانة وحقوق المكونات غير المسلمة ، وشَرَعوا أﻷبواب واسعة ﻷسلمة المجتمع ، على حساب الديانات السماوية المتواجدة في العراق ، باﻹضافة الى تهميشها والحد من إمتداد نسلها بإجراءات تعسفية تضع خيار الهجرة أمامهم قائما ، وكأن الهجرات القصرية منذ عام 2003 ، وما قامت به داعش لم يشف غليلهم.
ومما زاد الطين بله هو إستثناء المسحيين الذين هُجروا باﻹكراه عن وطنهم ، وإسْتولي على ممتلكاتهم، ﻻ يستطيعون توكيل أحد عنهم ليتصرف بها ، إﻻ بمثوله شخصيا أمام الجهات المسؤولة ، وكانهم ضمنوا حمايته وعدم تهديده من قبل مافيات اﻷستيلاء على ممتلكاته ، خاصة وإنه أصبح صيدا سهلا للقوى الظلامية بما تشخصه هوية اﻷحوال المدنية.
ولطالما لم تنهض الحكومة لوقتنا هذا بإجراءات حاسمة تردع المليشيات المنفلته ومافياتها ، وتوقف عمليات ملاحقة وإضطهاد معتنقي الديانة غير المسلمة ، فستستمر عملية إفراغ العراق من مكوناته العرقية ، وسيمارس من يشجع صمت الناس على توريث الديانة اﻹسلامية للطفل القاصرعند إعتناق أحد الوالدين اﻹسلام ، حراكهم المتماهي ونهج داعش والسلفية في سد طرق البقاء والتعايش في كنف عراق واحد موحد ، وسيسعوا الى تدمير فسيفسائته ، ورمي بباقة الورد خارج المزهرية العراقية ، بعد أن يقطعوا عنها عطاء ماء دجلة والفرات ، الذي تنهض به مافيات الفساد ونهب المال العام التي عشعشت في أجهزة الدولة ، وهم إذ يشرعون قوانين ويصدرون تعليمات يرمون منها أيقاف عجلة قطار مسيرتنا نحو الدولة المدنية التي حلم بها شعبنا بعد سقوط الصنم ، وتصر على مواصلة ركوبه الجماهير المنتفظة في ساحات التظاهر ، لمنعها من مواصلة تشويه حتى ما جاء به القرآن ، ﻻ إكراه في الدين ، ويطالبوا بما يتماهىها مع المادة الثانية من الدستور التي تقول ... حماية حقوق اﻷقليات واﻷديان.
الا يعضد هذا ما ذهبت اليه صحافة الغرب من القول أن المسيحية مهددة باﻹندثار خلال خمس سنوات ؟! ، بسبب إﻷجراءات التعسفية التي تحد من ممارسة شعائرهم الدينية ومحاربتهم في أرزاقهم وحرمانهم من مزاولة مصالحهم بأجواء غياب الأمن ، مما يدفع بالعديد منهم ترك أرض أجدادهم مضطرين ، ( أصبحوا حاليا 26 الف مواطن عراقي بعد أن كانوا قرب المليونين مسيحيا ) . وهل أخذ الذين يخططون لشرق أوسط جديد ، ما سيؤول اليه مصير المكونات العرقية للشعب العراقي والسوري ضمن الجغرافية الجديدة التي سترسم الشرق اﻷوسط الجديد؟.