المنبرالحر

انقلاب ابيض في وضح النهار / جاسم الحلفي

القرار الذي اتخذه مجلس النواب يوم الاثنين (2/11/2015) بسحب التفويض الممنوح الى رئيس مجلس الوزراء لتنفيذ الاصلاحات المقترحة، لم يفاجئ احدا ممن خبروا المتنفذين ونهجهم في المحاصصة الطائفية والاثنية، وصراعهم على السلطة بما تعنيه من مال ونفوذ وصفقات، وبكل ما ادى اليه ذلك من افقارللشعب ودفع للعراق الى المجهول.
جاء القرار ليبعث الحياة في الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، الذي شهدته دورات البرلمان السابقة حاميا محتدما، معطلا مصالح الناس، وشالّا حياة البلد، ومساهما الى جانب عوامل اخرى في اضعاف الدولة ومؤسساتها. ذلك الصراع الذي وفر، الى جانب الصراعات الاخرى المعروفة، جوا مناسبا استثمره الارهاب للعبث بالامن، وتأمين بيئة مناسبة للفساد تفسح المجال واسعا لتمترسه في مفاصل الدولة.
جاء القرار في الواقع انقلابا في وضح النهار على وجهة الاصلاح، يمنح حيتان الفساد غطاء يحميهم. اما التحجج بالدستور فليس إلا ذريعة لعرقلة وإجهاض أي تحرك في اتجاه الإصلاح. وان كلمة الحق التي يتضمنها بان تحتفظ كل سلطة بصلاحياتها، يراد بها باطل. فهذا (القرار) إلتفاف على فكرة الإصلاح، وغايته دفنها قبل ان تنطلق في تطبيقها العملي والفعال.
وقد تمت صياغته بدهاء كي يبدو في شكله بريئا، دستوريا مجردا، وبما يغطي على محتواه الانقلابي. وان من غير الممكن فهم حقيقته من خلال كلماته، بل لا بد من العودة الى خلفياته.
حيث شهدت الساحة السياسية سلسلة من الصراعات والمناكفات والتصريحات المضادة للحزم الإصلاحية، التي لا نخفي نحن ايضا ملاحظاتنا في شأنها. والكل يعلم ان حيتان الفساد افادت من تلكؤ رئيس الوزراء في تنفيذها وتردده وتباطؤه، ولجوئه الى إجراءات تقشفية انتهت بمشروع سلم الرواتب، الذي اصطدم برفض واسع.
اننا نحدد موقفنا من كل قرار واجراء وفقا لمدى اقترابه من هدف الإصلاح او ابتعاده عنه. وان من غير الممكن تلمس جدية مجلس النواب في الإصلاح، الا من خلال ما ينجزه فعلا لدفع عملية الإصلاح قدما وتعميق منهجها، وجعلها وجهة حقيقية له. لكننا لم نلحظ في مجلس النواب في الاسابيع القليلة الماضية، انشغالا بموضوع الاصلاحات، او متابعة تذكر لها، ولا معالجة لمكامن الخلل فيها، او سعيا الى تشريع ما ينبغي تشريعه من فقراتها.
ثم ان المحك الصادق هنا هو ما فعله المجلس لتنفيذ حزمته الاصلاحية، التي احتوت على 24 نقطة، والتي لم يسمع احد شيئا عنها بعد يوم إعلانها، ولا يعرف ماذا حل بها.
اننا ندرك ان حيتان الفساد استوعبوا اليوم الصدمة، التي هزتهم بخروج تظاهرة الأسبوع الأول، وها هم يعيدون تنظيم انفسهم، ويتأهبون للهجوم المضاد.
والحقيقة هي انهم ما كانوا ليجرؤوا على ذلك لولا تردد رئيس الوزراء، الذي غابت عنه الرؤية الواضحة للاصلاح، ولم يطرح برنامجا متكاملا لتنفيذه، ولم يعتمد منهجا علميا في التنفيذ يتضمن وحدة قياس، ولم يعلن عن تشكيل فريق عمل اصلاحي، او يحول الحكومة الى حكومة اصلاح. كما لم يسهم في تشكيل كتلة برلمانية إصلاحية، ولم يبذل أي جهد لاحداث استقطاب سياسي، يشكل من خلاله جبهة اصلاح تقابل جبهة الفساد التي توحدت ضد الشعب.
واخيرا وبغض النظر عن هذا كله نقول: يتوهم من يعتقد ان الشعب سيسكت هذه المرة. فقد انطلق في طريق مناهضة الفساد، وقال كلمته القاطعة المدوية، وسيحول ما قاله الى فعل يهز عروش الفساد.