المنبرالحر

الاصلاح الاقتصادي في مذكرة الحزب الشيوعي العراقي / ابراهيم المشهداني

وجه المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي أخيراً، مذكرة الى السادة رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس القضاء الاعلى والى قادة الكتل والأحزاب السياسية ، طرح فيها تصوراته ومقترحاته بشان حزمة الاصلاحات التي ينشدها شعبنا وتتماهى مع مطالب الحراك الشعبي المتواصل التي تضمنت اصلاح النظام السياسي ومكافحة الفساد وإصلاح الخدمات العامة وإصلاح القضاء وإصلاح الاقتصاد الوطني وفي هذه المقالة سنركز على احدى مفردات المذكرة المتعلقة بالاصلاح الاقتصادي والخاصة باسترتيجية التنمية الاقتصادية المستدامة .
فمن الواضح، ان الاقتصاد العراقي يعاني اشكاليات واختلالات واسعة في بنيته وقاعدته التحتية وطابعه الاحادي الريعي، على الرغم من توافر موارد اقتصادية عديدة ومتنوعة غير مستغلة باستثناء النفط ويعود السبب في كل ذلك كما بينت تجربة السنوات الاثنتي عشرة الماضية، الى التخبط الواضح في السياسات الحكومة بوجهة الانتقال من الاقتصاد الأوامري المركزي ، الى تبني اقتصاد السوق الحر وبرامج التحول والخصخصة، وهي وجهة لم تكن من بناة التفكير الحكومي المستقل ، بقدر ما هي التزامات فرضتها المؤسسات الاقتصادية الدولية ، كوصفة لمعالجة الازمة الناشئة عن الحصار الاقتصادي المفروض على العراق نتيجة السياسات الرعناء التي مارسها النظام السابق وبالتالي الدخول في مساومات مع تلك المؤسسات للتخلص من عبء الديون الخارجية التي كانت في معظمها ديونا كريهة تم انفاقها على تدعيم سلطة النظام ومشاريعه العدوانية. ولم يحظ الاقتصاد او المجتمع العراقي بأي نصيب منها ، فضلا عن عدم مصداقية الحكومات العراقية المتعاقبة بعد التغيير وقناعتها بهذه الوجهة التي صدعت عقول الاقتصاديين والمهتمين بالشأن الاقتصادي لفرط الاطناب في الحديث عنها اعلاميا من دون تنفيذ على ارض الواقع، فلا الشركات الحكومية حظيت باهتمام الدولة من خلال اعادة تأهيلها ولا القطاع الخاص الذي يعتبر نظريا قاعدة بناء السوق قد حظي باهتمام جاد طيلة الفترة الماضية، ويضاف اليها بطء شديد في عملية الاستثمار الذي يعتبر من اوائل التشريعات القانونية التي سنت عام 2006 لافتقار العراق حينها الى الوفرة المالية الكافية لتنشيط حركة الاقتصاد ولكن غياب المناخ الاستثماري الملائم جعل من القانون مولودا ميتا. ولهذه الاسباب مجتمعة ظلت الموارد المالية البترولية المصدر الاساسي لتمويل الموازنات الحكومية طيلة هذه الفترة .
من هنا يجدر القول ، ان الاصلاح الاقتصادي الذي كان محورا اساسيا في مذكرة الحزب الشيوعي العراقي ينطلق قبل كل شيء من دراسة تحليلية للاقتصاد العراقي وتحديد المشاكل والتحديات التي يواجهها من الناحية الواقعية العملية وإعادة دراسة خارطته من جديد بعيدا عن النظريات الجاهزة، من خلال الحفاظ على الاستقلالية الاقتصادي. ومن دون ذلك لا يمكن التفكير في الاستقلال السياسي. وعلى هذه القاعدة يتعين التعامل مع المؤسسات الاقتصادية الدولية من باب النصح والاستشارة وليس من باب فرض شروط ملزمة ، تكون في غالب الاحيان ضارة بمصالح فقراء المجتمع الذين يشكلون اكثر من عشرة ملايين مواطن محرومين من ابسط مقومات الحياة ، والعمل على اعادة التوازن في الاقتصاد عبر تنشيط القطاعات الانتاجية ، وحمايتها من سياسات الاغراق التي تنتهجها بعض الدول وتحقيق قدر عال من التنسيق والانسجام بين السياستين المالية والنقدية في معالجة التضخم ورفع معدلات النمو الاقتصادي ، ومعالجة الخلل في تطبيق البطاقة التموينية ، لإدامة حياة الفئات الفقيرة في هذه الظروف العسيرة ، بالإضافة الى تشديد المعركة ضد الفساد والفاسدين ، من دون هوادة وتصفية رموزه الاساسية وهي معروفة للدولة بأجهزتها التنفيذية والقضائية والرقابية بالأسماء والأدلة وكلها امور ممكنة عندما تكون المصداقية حاضرة لمن بيده القرار.