المنبرالحر

آثارنا.. ثروة وطنية / ودود عبد الغني داود

الى متى ستبقى آثارنا القديمة دفينة تحت الارض؟ ومواقعنا الأثرية مستباحة من قبل اللصوص المتنفذين؟ والى متى ستستمر عملية التنقيب العشوائي والجائر وتحطيم واتلاف القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن وتهريب السالمة منها الى الخارج وبيعها باسعار لا تستحق الذكر؟ الى متى سيستمر هذا الاهمال في وطن يمتلك ثلث المنتج البشري من الآثار القديمة؟ فالعراق كما هو معلوم يحتوي على 1400 موقع أثري. وما تم اكتشافه منها لا يتجاوز الـ 6 أو 7 في المائة فقط والباقي لا زال مدفوناً تحت التراب، ولم يتم التنقيب حتى الآن سوى في خمسمائة موقع فقط.. علماً بان الآثار القديمة الموجودة في العراق تعادل 36 في المائة من مجموع الكرة الارضية.. وهناك الكثير من الآثار قد تمت سرقتها من قبل حكام المانيا بتواطؤ مع العثمانيين إبان احتلالهم العراق بما فيها بوابة عشتار الأصلية.. كما ان هناك اكثر من مليون من الرُقم المدونة تائهة بين متاحف اللوفر ولندن وبرلين وباريس واسطنبول وبطرس بيرغ وفلادليفيا وجامعة بيل في الولايات المتحدة وغيرها من اللقى التي تلقفتها ايادي المهووسين بجمع واقتناء اللقى الأثرية.. كما وان عملية تجفيف الاهوار التي أقدم عليها النظام الصدامي المقبور قد اسهمت في ظهور العديد من اللقى الأثرية التي لا يُعرف مصيرها حتى الآن. كذلك يتحمل الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 مسؤولية كبيرة في ضياع وتخريب العديد من القطع الأثرية عندما تعمد في فتح باب المتحف العراقي للجهلة والسراق والمخربين علاوة على سرقتهم العديد منها. أما ما فعلته قطعان الدواعش بعد احتلالهم ثلث الاراضي العراقية عام 2014 فحدث ولا حرج حول التخريب الهمجي والممنهج الذي أدمى قلوب جميع شرفاء العراق.
ان الآثار القديمة واللقى من القطع الأثرية ثروة وطنية هائلة لو تم استخراجها بعناية ومهنية ودراستها وفك رموزها من قبل النخب من المتخصصين والخبراء ستوفر وتُغني التاريخ بالعديد من المعلومات الجديدة التي ستعزز الثقافة والمعرفة وتدفعها اشواطا الى الامام.. وبعد الانتهاء من دراستها وتقويمها يتحتم عرضها في متاحف عراقية قريبة من الموقع الذي تم فيه العثور عليها.. علماً بان خبراء وهواة وعشاق القطع الأثرية يفضلون مشاهدتها والتمعن بمظهرها وهي قريبة من مواقع اكتشافها ويسرهم ايضاً التجول بين الحفر والأخاديد والانفاق التي تم التنقيب فيها والعثور عليها. كذلك مطالعة المعلومات التي يجب ان تكون مدونة على الجدران التي تشير الى كل قطعة أثرية تم العثور عليها ومعززة بصور فوتوغرافية لها.. ولكن ثمة اسئلة تطرح نفسها. هل هناك بصيص من الأمل في أن تفكر حكومة المحاصصة الطائفية او تهتم او تنهض في مشروع عملاق كهذا أو حتى المطالبة بحقوقها من الآثار القديمة المهربة والمنهوبة الى خارج العراق وهي غارقة بالتخلف والفتن والصراعات الداخلية والافلاس المالي وغياب وشحة العقول والكوادر من ذوي الاختصاصات الاكاديمية بمن فيهم علماء التاريخ والآثار وخبراء التنقيب والتحليل وافتقارهم ايضاً الآليات والاجهزة الحديثة والمتطورة في البحث والتنقيب؟ وهل تضمن امن وسلامة الكوادر العاملة وتأمين اللقى الأثرية الجديدة المكتشفة؟ وغيرها من الاسئلة العديدة التي لها علاقة في تنفيذ المشروع؟ فالاوضاع المزرية التي يمر بها العراق تجيب بلا شك بكلمة لا.
ولكن بعد زيارة نائب الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في العراق السيد جورجي بوستن وممثل منظمة اليونسكو في العراق السيد اكسل بلات لأهوار العراق خلال شهر تشرين الثاني من هذا العام. اكدت الامم المتحدة في بيان لها في ختام تلك الزيارة التي استغرقت يومين بان الامم المتحدة تقف مع العراق في حماية تراثه الثقافي والطبيعي والحفاظ على ما تبقى من مهد ثقافة ما بين النهرين بما فيها مدن اور والوركاء واريدو والاراضي الرطبة الطبيعية التي تعتبر مصدر الهام بالغ الاهمية للعراق والعالم.. فعلى ضوء ذلك البيان أصبح من الممكن أن تبادر الدوائر العراقية المعنية بالآثار والبيئة والسياحة بمفاتحة بعض دول العالم المتقدمة بتوسط من قبل الامم المتحدة في ابرام عقود لاستخراج الآثار القديمة وبناء المتاحف والمدن السياحية المتكاملة بما فيها المطارات وحماية البيئة وتأمين سلامة السواح والكوادر العاملة والممتلكات من قبل شركات حراسة وحماية رصينة وغيرها من المستلزمات الاخرى وذلك عن طريق الاستثمار لفترة زمنية محددة ريثما يتم استيفاء جميع الاموال التي انفقتها الشركات الاجنبية لتعود بعد ذلك الى ادارة عراقية باشراف لجان دولية. وسيصبح العراق واحدا من الدول السياحية الكبرى التي ستتمتع بفرص حضارية ووارد مالي لا يقل اهمية عن الوارد النفطي.. فالاعتماد على الحكومة العراقية الغارقة حتى اذنيها بالديون والفساد المالي والاداري والتخلف والفتن والحروب الاهلية والانفلات الامني وتهميش وغياب الكوادر الاكاديمية المتخصصة يعني بقاء آثارنا القديمة دفينة التراب الى اجل غير مسمى.. نأمل من المغرر بهم من ابناء شعبنا العراقي ان يصحوا من غيبوبتهم وينتفضوا على الطارئين الفاسدين الذين أفلسوا العراق وأرجعوه الى القرون الوسطى.. والعمل بمثابرة وجد من اجل بناء دولة مدنية ديمقراطية تسودها العدالة والافكار التقدمية والمحبة والتسامح والأمان، ليتسنى لنا استلام ادارة ذلك المشروع العظيم الذي سيعيد أمجاد العراقيين ويجعل وطننا العراق في مصاف الدول المتقدمة في العالم.