المنبرالحر

البرجوازية الهجينة ومعترك التطور الثقافي / د. علي الخالدي

هناك إلتقاء إيجابي مدهش بين مثقفي الداخل والخارج ، حول مصير الوطن ، تولد بعد إجهاض ثورة الفقراء تموز المجيدة ، و تواصل بشكل أعمق في الحقبة البعثية المقبورة ، ممتداً الى فترة ما بعد سقوط الصنم ، وإبتداع نهج المحاصصة ، وتزويقه بمسميات متعددة ، أملت ضرورة تواصل التماهي بين هموم أقلام مثقفي الداخل والخارج ، ما يؤكد حقيقة أنهما كونهما يشكلان وجهان لعملة واحدة هو الوطن .
لوقتنا هذا لم يتواجد من يتجاهل هذا اﻹلتقاء وحقيقته . إذ أدرك الجميع أن اﻷمر أصبح واقعا موضوعيا، فلم يعد من الممكن تطور ثقافة العراقيين في الخارج بمعزل عن تطور ملامح الوجه الحقيقي للثقافة في الداخل ، بكل ما بقي لها من قيم ومعاني ، بعد تشويه البعض من اﻹعلاميين الذين شوهدوا في واجهة اﻹعلام الرسمي ، وهم يعبرون عن أرتباطهم مع أنماط طبقية تبلورت في أجواء تكون الشخصية الجديدة للطبقة البرجوازية الهجينة ، التي تكونت بعد تهشيم الطبقة الوسطى في العهود الشمولية السابقة والمرحلة الحالية، صاحب بالوقت نفسه قفز أفراد من الطبقة الفقيرة وإللحاق بها بتسارع أمريكي ودعم دول الجوار ، مكونين معا طبقة إجتماعية جديدة لها مواصفات خاصة ، بعيدة عن المفهوم التقليدي للبرجوازية الصغيرة ، التي لعبت دورا رياديا في تطوير الثقافة الوطنية وروح اﻹنتماء الوطني العراقي
في فترة البعث طغى اﻷتجاه القومي على الثقافة العراقية ، بينما في الفترة الحالية ، يجبر المثقفين على إعتماد معايير طائفية وإثنية في السلوك والممارسة ، كلا اﻹتجاهان قادا الى أبتعاد الثقافة عن ممارسة مهامها في تنمية ثقافة الروح الوطنية ، بإشاعتهما بهرجة شعارات ومشاريع أثنية ومذهبية ، محدثين تمزقا مجتمعيا شمل مختلف نواحي الحياة ، هاملين مهمة تطويرالثقافة الوطنية الجمعية بما يتماهى وقيم التحضر والتمدن ، وبصورة خاصة الثقافة الموروثة لمكونات شعبنا العرقية،
فالموالين ﻷفكار النهجين من المثقفي إكتسبوا خبرة سرقة اﻷصل لينسبوه ﻷنفسهم . ففي كلا الفترتين المتناقضتين فكريا وإجتماعيا ( البعثية واﻹسلامية )، تنامى تجاهل قوانين الطبيعة والتطور ، وأعتمدت لغة دغدغة المشاعر القومية والمذهبية عاطفيا ، مما و جدت الثقافة الواقعية صعوبة في مواصلة تطورها، إما لعدم التصريح بضرورة العودة الى اﻷصل الذي حورب ، وجرت مطاردته ، لتماهيه مع قواعد مواصلة البناء والتنمية الوطنية ، مما جعل الثقافة ، تدور بإمكانياتها الخاصة ، ضمن حدود وأنماط النظرة اﻹستعلائية لقيادي الطبقة الجديدة( البرجوازية الهجينة )، بما وضعوه من معوقات أمام المثقف ، تطلبت منه جهدا ليس باليسير ﻹيجاد سبل مستورة ومبطنة ، يُشخص بها المثقف مساويء هذا الطبقة اﻹجتماعية الهجينة ، التي سعت الى خنق العملية السياسية، وهي في مهدها، لمعرفته المسبقة إن اﻹمبريالية والدول المعادية لمصالح الشعب والوطن ، أقل ما تخشاه هو النهوض الفوري للوعي الوطني واﻹنساني الذي تفتخر به أذهان شرائح مثقفي الداخل والخارج ، المناهضة لعقلية اﻷحزاب القومية واﻹسلامية ، ولهذا وقفوا بالضد من كل الظروف الموضوعية والتحولات الذاتية ، التي خلقها تحرك قوالب هاتين الفترتين بتحويل قسم من مثقفين الداخل إلى متفرج وعاجز عن الفعل وعن ممارسة دور جدي في التصدي لقمع حرية الكلمة ، في الوقت نفسه يستمر حاملي لواء الثقافة الوطنية في الداخل والخارج رغم التهميش والمساومة بين إبقاء روؤسهم على أكتافهم ، وبين تطويع أقلامهم لمسايرة عملية تخريب البلاد وإفقار الشعب ، فأختار المئات منهم قطع الرؤوس ، لكونهم لا يملكوا القدرة على إبتلاع ألسنتهم أو أستبدال أقلامهم بالصمت ، الذي تعتبره البرجوازية الهجينة جو جيد تواصل فيه قمع الحريات وقتل الكلمة والفكر المتحرر المطالب بالتغيير، ولهذا لم يسلم المثقفون في أجواء الديمقراطية الهشة ، أمثال كامل شياع وهادي المهدي وغيرهم من ما زال مصيرهم مجهولا ، لمجرد مطالبتهم بإصلاح ما ورث من الدكتاتورية ، وإيقاف ما يخربه نهج (المحاصصة) من سياسة متخبطة ، أدت الى ركود التنمية وإنحلال الثقافة ، وإلى قتل متعة اﻹبداع والعطاء .
ومع سوء محاربة الفساد وتلكوء التغيير واﻹصلاح تتصاعد نشاطات البرجوازية الهجينة ، مستغلة أزمات الوطن التي هي ثمار نتاج فكرها، المفتقر ﻷبسط المقومات أﻷساسية التي تملكها البرجوازية ، متحولة الى طبقة فاسدة ، راكمت رأسمالها من الفساد ، وسرقة المال العام والسحت الحرام . وبغفلة من الشعب ، خلقت إرادة مسيطرة على كافة مناحي الحياة اليومية للشعب ، بما تملكته من سطوة المال و القوة المتأتية من اﻹستقواء بميليشيات وقحة على مستوى الشارع .
في مقابل ذلك تواجد وجه آخر نقيض متمثل بالنشاط الثقافي المتعدد اﻷوجه والميادين ، وتحديدا في إنطلاق النضال المطلبي عبر التظاهر السلمي ، وخاصة بعد أن تحسس الجميع ، مدى أﻷضرار التي لحقت بحياة الناس ، نتيجة ربط تحريك مجالات الشعر واﻷغنية والمسرح والموسيقى، بمفاهيم أجنحة البرجوازية الهجينة المصرة على تصويب نهج المحاصصة مما شكل تراجعا في تفاعل الحياة الثقافية والسياسية العراقية ، يستدعي ضرورة النهوض جمعيا ومواصلة المطالبة بالتغيير الحقيقي ، الذي به فحسب تسترجع الثقافة العراقية عافيتها
يتبع