المنبرالحر

لنقارن بين عقليتين! / مرتضى عبد الحميد

حملت إلينا وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، خبراً لطيفاً وطريفاً في آن واحد، هو أن مملكة «النرويج» القابعة في شمال الكرة الأرضية، ستهدي جبلاً إلى جارتها «فنلندا» نظراً لقلة الجبال فيها. ويرتفع الجبل الهدية أكثر من 1,200 م فوق سطح البحر، ويمتد على رقعة جغرافية تبلغ مساحتها الإجمالية خمسة عشر كيلومتراً مربعاً، وهي محاذية للحدود الفنلندية. وأروع ما في الهدية التي لا تقدر بثمن، أنها جاءت بناء على مبادرة شعبية، أي أن المواطنين النرويجيين هم الذين بادروا وجمعوا التواقيع فيما بينهم، ثم قدموها إلى السلطات النرويجية المختصة، التي وافقت برحابة صدر على طلبهم.
هكذا تبني الشعوب المتحضرة والدول الديمقراطية علاقات الصداقة، وحسن الجوار، بدوافع إنسانية نبيلة، تصل إلى حد اقتسام جمال الطبيعة، ليعززوا بالتالي من متانة وقوة ونقاوة روابطهم الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، بعيداً عن الادعاءات الفارغة بأنهم أقوام متميزون، ويجب أن يسودوا العالم، أو ان لديهم رسالة خالدة! كما أنهم بعيدون كل البعد عن استغلال الفرص السيئة وحالات الضعف والصعوبات التي يواجهها بلد من البلدان المجاورة، مثلما يجري في منطقتنا الملتهبة، والحبلى بأحداث جسام.
إن ما يحصل في تلك البلدان، التي اعتمدت العقل، وجعلت من العواطف الإنسانية المترعة بالإيثار والطيبة، حاضنة لكل ما يثري النفس البشرية، ويجعل الإنسان يسبح في ملكوت الفضيلة، وحب الآخر والتسامح والتكامل بين البشر، لهو مثال ملهم نحن أحوج من غيرنا إلى احتذائه، ونقله إلى بلداننا وشعوبنا، التي تقف في الطرف الآخر البعيد من هذه العلاقات النموذجية، والوعي الإنساني الرفيع.
ان ما يجري في منطقتنا وعراقنا، بدمي القلب، ويفتح للإحباط والكآبة دروباً سالكة تسربل المزاج الفردي والجمعي على السواء بألوانها الرمادية. وجيراننا خير مثال على ذلك، فهم يستغلون ضعف بيتنا الداخلي، لانشغال ساكنيه بالاقتتال فيما بينهم بغية الحصول على الحصة الأكبر من كعكة السلطة، وما يتبعها من امتيازات فلكية وفريدة من نوعها.
لا نستثني احداً منهم، سواء كانت تركيا أو إيران، أو السعودية، أو قطر (العظمى). فبدلاً من مد يد العون بنزاهة وشرف إلى أشقائهم من العراقيين، الذين يدعون أنهم يدافعون عنهم، نراهم لا يتعففون عن استخدام أية وسيلة، واغتنام أية فرصة، لإلحاق الأذى بشعبنا، والسعي المحموم لهدم صرح معبدنا العراق.
العيب كل العيب فينا، كما قال ذات مرة الفيلسوف العربي الإسلامي محيي الدين بن عربي. وهذا ما تعيه الآن الكثرة المتزايدة من العراقيين، المصرّين على استبدال هذه اللوحة القاتمة، بلوحة نضرة، مشرقة، لا ينقصها البياض، من خلال إدامة الحراك الجماهيري وتنويع أساليبه واستقطاب كل المطالبين بالاصلاح، ليكون العراق بمستوى تضحيات أبنائه، وبمستوى عمقه الحضاري.