المنبرالحر

كرامة السياسيين / سلام حربه

ما حصل في الحركة الاحتجاجية والتي انطلقت منذ اكثر من اربعة أشهر، وافرزت ظواهر كثيرة لم تكن في الحسبان، وواحدة من اخطر هذه الظواهر ان معظم سياسيينا المبجلين بلا كرامة.
فلم يحصل لسياسيي العالم ان تعرضوا للشتم والتنكيل والتشهير والضرب بالاحذية كما حصل لسياسيي العراق رؤساء وزراء كانوا ام وزراء ام نوابا ام وكلاء وزراء ومدراء عامين او مسؤولين تحت اية يافطة يقفون.. الغريب في الامر ان لا ردة فعل حصلت لديهم، رجالا ونساء ، اتجاه هذا التسقيط والمس بالسمعة واطلاق ابشع النعوت عليهم، كما لم تعرق جباههم وآلاف ملفات الفساد تنشر يوميا عبر وسائل الاعلام تحمل اسماءهم وكيف قاموا بسرقة المال العام وما الوسائل الرخيصة التي اتبعوها في تمرير صفقات فسادهم ، لقد تواروا عن انظار الجمهور الثائر لانهم يعرفون انفسهم لصوصاً ومتخاذلين لم تنتفض ضمائرهم الباردة كي يدافعوا عن انفسهم، هم في قرارة انفسهم ليسوا سياسيين بل جاءت بهم المحاصصة الطائفية، وصدرت بحقهم مئات مذكرات الاعتقال في قضايا فساد وجرائم جنائية ولكنهم حتى الساعة ينتظرون فرج اللحظة السحرية التي يتدخل فيها رؤوساء كتلهم السياسية كي يسقطوا عنهم كل هذه التهم ، لان رئيس اية كتلة فوق المساءلة القانونية وفوق الشبهات وتفويضه على الشعب ( الهي ) لا يقبل الجدل والحوار..المجتمع العراقي مجتمع عشائري وتحكمه العصبية القبيلة وكل المسؤولين ينتمون الى هذه العشائر الكريمة، والكل يعرف ان ابسط اساءة توجه الى الفرد من اية عشيرة، لا تمر من دون رد، والاستجابة اعنف ان كانت تخص امرأة، عندها ينفجر غضب تلك العشيرة وتنصب الخيام وتشحذ السيوف ولا تدخل اغمادها الا بالاعتذار ودفع الفدية عن هذا التهجم لان المساس بكرامة العشيرة خط احمر لا تغمض العيون عليه.
فان كان سياسيو العراق بلا كرامة وهم يتحملون يوميا آلاف الاطنان من السباب والبصاق على صورهم فلأنهم لصوص لا يهمهم الدفاع عن انفسهم ولذلك يتحملون كل الاهانات مقابل ان ينعموا بهذا المال الحرام، يكدسونه في المصارف الخارجية ويقتنون العمارات والفلل الفارهة، وحتى الطيارات الخاصة ، مع يقينهم ان الاجراءات سوف لن تتخذ بحقهم فقضاء البلد مسيس ومصمم وفق المحاصصة الطائفية والعرقية وغالبا ما يتم غلق الملفات بعد اتفاق الكتل الكبيرة بينها، ولا سيما وان كل هذه الكتل فيها مكاتب اقتصادية تدير هذه السرقات من دون اللجوء الى القضاء.. ويبقى السؤال قائما ان كان هؤلاء الفاسدون بهذه البشاعة وبهذا الرخص فلماذا تقف عشائرهم مكتوفة الايدي وهي ترى ابناءها من عتاة المجرمين الدوليين من دون ان تتخذ أي منها موقفا مشرفا واحدا يتمثل في طرد هذا اللص من العشيرة لأنه يسيء اليها والى سمعتها والى تاريخها والى سجلها الحافل بالمواقف النبيلة والبطولة بين العشائر الاخرى..؟ ،وهل اصبحت السرقة والتخريب والقتل على الهوية والعمالة الى الاجنبي صفات تفتخر بها العشائر العراقية بدلا من الوطنية والرجولة والمروءة والشهامة وعفة النفس والدفاع عن الضعيف والعفو عند المقدرة..؟
لم تنتفض كرامة اي مسؤول تم ضرب صورته بالحذاء او قيل بحقه اقذر الكلام حين ضبط فاسدا، ولم يقدم أي منهم استقالته ويعتزل السياسة لان تاريخه قد تلوث كما يحصل لكل سياسيي العالم والامثلة كثيرة وفي وسائل الاعلام واحدها ما اقدم عليه وزير المالية الامريكي حين اتهم بالفساد فقام بتبرئة نفسه امام المحكمة لان قيمه ومثله الاخلاقية ابت الا ان يغادر الحياة منتحرا لان هناك من تطاول زورا وبهتانا على شخصه وعصاميته، ومن يفتح اليوتيوب سيجد مئات الافلام والقصص التي تصور ساسة العالم المتحضر كيف يثأرون لكرامتهم حين توجه اليهم اصابع الاتهام بالسرقة او خيانة البلد ويفضل انهاء حياته على العيش في ظلال تهمة باطلة قد تلحق بعائلته الخزي والعار..ما يميز الانظمة الديمقراطية عن الدكتاتورية ان تشكيلات النظام الديمقراطي تُحل بابسط مما تتركب ، وشعار المسؤول دائما انه مكلف من الجماهير بإدارة هذا المنصب الحكومي او ذاك وحين تنتفي الحاجة اليه فانه يذهب من دون ان يلتفت الى الوراء ، هذا ما يحصل في كل بقاع العالم ، وكان هذا الامر في السابق يحصل ايضا في العراق ، قصيدة من الجواهري او غيره من الشعراء او مقالة او احتجاج من سياسيين او احزاب وطنية تنتقد الواقع البائس ، كما يذكر التاريخ ، تسقط وزارة ويعتذر الملك او رئيس الوزراء عن الخلل القائم، حتى انه خلال عام واحد تتشكل ثلاث او اربع حكومات ويحل البرلمان وتجري انتخابات جديدة مرة او اثنتين ، هذا ما كان يحصل قبل زهاء ثمانين عاما واكثر.. أما اليوم فمن يجلس على كرسي المسؤولية لن يغادره الا بثورة عليه وكأن هذا المنصب ملك ابدي له ، هذا الامر ينطبق على الرئاسات الثلاث وكل عناوين المسؤولية.
السياسيون العراقيون ديمقراطيون في الظاهر دكتاتوريون في الباطن من يدخل منهم حلبة السياسة لا يخرج منها حتى وان ارتكب ابشع وسائل التزوير وشراء الذمم الرخيصة، هو يسرق كي يبقى مسؤولا ويعتقد ان هالة السلطة تغطي كل العيوب والفضائح ومسخ الكرامة ولذا نجد ان الطبقة السياسية المتحكمة "هي ،هي" لم تتغير منذ 2003 حتى يومنا هذا ، لم تفرز هذه الطبقة رموزا وطنية محترمة تلتف حولها الجماهير تأخذها الى الحياة الكريمة، بل ان الجميع يقع ضمن دائرة الشبهة والاتهام.. انها فرصة لعلماء الاجتماع وللأطباء النفسانيين ان يدرسوا شخصية المسؤول العراقي كي يتعرفوا الى طبيعة المجتمع والى عقده الجديدة وامراضه..