المنبرالحر

من يتحمل أعباء السياسة التقشفية ؟ / ابراهيم المشهداني

ان الانخفاض المريع في اسعار النفط وآثاره في خلق ازمة مالية خانقة وأزمة اقتصادية عامة تركت بصماتها على كافة الانشطة والفعاليات الاقتصادية والمجتمعية وانخفاض معدل النمو الاقتصادي من 10 في المائة الى ما يزيد قليلا عن 3 في المائة في عام 2015 ما دفع الحكومة الى اتخاذ سلسلة من الاجراءات التقشفية اسمتها تجميلا بالحزم الاصلاحية لامتصاص غضب الشارع العراقي وهي ابعد ما تكون عن امتصاص هذا الغضب . ولكن حقيقة الامر ان انخفاض اسعار النفط لا يمكن ان يكون الشماعة الوحيدة التي نعلق عليها خيبات الاقتصاد العراقي وانما الموضوع بنتائجه وتداعياته متعلق بالسياسة الاقتصادية المرتبكة والخاطئة التي انتهجتها الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 من دون ان ننسى بأية حال من الاحوال جذورها التي تضرب اطنابها في عمق السياسة الديكتاتورية المنهارة .
ونعود الى العنوان بالسؤال الكبير من يتحمل السياسات التقشفية في المجتمع العراقي ؟ هل تتحملها الطبقات الكادحة التي تخوض امتحانا عسيرا جراء التدابير التقشفية ؟ وقبل ذلك تحملت هذا الامتحان مئات السنين، ام الطبقة الوسطى المسهمة مع القوى المنتجة في المجتمع ام تلك القوى المتمثلة بالبرجوازية البيروقراطية التي تشتمل على كبار موظفي الدولة في الهرم الحكومي وطبقة الكومبرادور التي انفقت 110 مليار دولار من موارد الدولة المالية منذ عام 2006 حتى عام 2012 على استيراد مواد رديئة الصنع لا تنفع حتى للاستهلاك اليومي ام الطبقة الطفيلية التي ولدت حديثا عبر سرقة المال العام والمشاريع الوهمية والمتلكئة التي استحوذت على الجزء الاكبر من الثروة في اكبر عملية فساد في تاريخ العراق نتيجة لموازنات سنوية غير منصفة ولم تطبق العدالة في التوزيع معبرة عن كونها اداة سياسية للقوى المهيمنة في المجتمع والمتسلطة على ادارة الدولة .
ان لسوء توزيع الثروة دلالاته الواضحة ومن بينها انخفاض قيمة الدينار العراقي بنسبة 1،3 في المائة وما لذلك من اثار على دخل الفرد وتقليص الدعم الحكومي من خلال خفض فقرات البطاقة التموينية من خمسة مواد الى اربعة وتوزيعها على عدة اشهر وتخفيض تخصيصات البطاقة التموينية في الموازن العامة من 4 تريليون دينار الى 2,5 تريليون عملا بنصائح المؤسسات المالية الدولية ، وارتفاع نسبة البطالة الى 50 في المائة قابلة للزيادة نتيجة لتوقف بعض المشاريع عن العمل وتلكؤ مشاريع اخرى وإيقاف رواتب عشرات الالاف من المتعاقدين في اجهزة الدولة والعاملين بأجور يومية ، وتآكل الاجور الحقيقة بسبب تصاعد ظاهرة التضخم في اقتصاد انكماشي . فضلا عن تحميلها الضرائب المباشرة وغير المباشرة واستقطاع 3 في المائة من رواتب الموظفين والمتقاعدين عوضا عن تنفيذ سلم الرواتب الجديد المعطل من هذا كله يتبين حجم الاعباء التي تتحملها الطبقات المنهكة ، ولهذا فان العدالة تستوجب مراجعة هذه السياسة غير المنصفة من خلال:
• التخفيف من الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي تتحملها الطبقات الفقيرة والمتوسطة والقائها على الطبقات الغنية عبر الضرائب التصاعدية وضبط اوعيتها منعا للالتفاف عليها .
• وضع الخطط الملموسة لتفعيل المشاريع المتوقفة والمتلكئة وانعاش القطاعات السلعية الزراعة والصناعة والخدمات في القطاعين الحكومي والخاص وتحسين اداراتها لزياد انتاجيتها والتخفيف من حجم البطالة .
• الجدية في محاسبة الفاسدين وتفعيل دور الادعاء العام في التعامل مع ملفات الفساد واستعادة الاموال المنهوبة من القطاع المصرفي الغارق في عمليات غسيل الاموال .
• الجدية في انتقاء الحزم الاصلاحية العقلانية في السياسة والاقتصاد والخدمات والابتعاد عن الوعود المهدئة التي تصعد من الغضب الشعبي في الشارع العراقي .
• التوقف عن اي اجراء اتخذ أو سيتخذ لبيع عقارات الدولة بناء على استشارات من هنا او من هناك تبالغ في مردود عملية البيع لمعالجة الازمة المالية ، والاكتفاء بالتعامل معها بتقدير اجر المثل لإيجاراتها للفترة الماضية ابتداء من تاريخ اشغال العقار وتشكيل لجنة عليا تتوفر فيها النزاهة لتنفيذ هذا القرار .