المنبرالحر

طريق الشعب مدرسة الثقافة الوطنية / د. علي الخالدي

منذ حداثتي تعرفت عليها بإصدارها السري المكتوب بالرونيو ، وهي تحمل إسم إتحاد الشعب ، على ما أتذكر . فجذبتني مواضيعها المتماهية مع حاجات الوطن وهموم الشعب ، وبصورة خاصة فقراءه ، ومنذ ذلك الوقت ، وهي تمنحني ثقافة حب الوطن ، وتطوير اساليب الكلام وأنواع المعرفة بحراك الجماهير نحو الحياة أﻷفضل ، وبذلك أصبحت مدين اليها بكل شيء تعلمته منها ،من ثقافة فكرية وتربية إجتماعية ،بالتواضع والتسامح وترتيب حياتي اليومية والمهنية وبالتالي العائلية . رافقتني في غربتي اينما حللت في أوروبا وأمريكا اﻷتينية ، وحتى أفريقيا . كانت ولا زالت بلسم لمآسي بعدي عن الوطن , تروي عطشي الضمآن لسماع أخباره . كانت كالطائر تحط بين يدي في أي بلد مكثت به لأجل العمل . تصلني بطرق مختلفة منها العلنية ومنها السرية ، ولا أبالغ عند قولي انها أول جريدة عراقية تدخل كوبا في أوائل السبعينات . حيث كان يرسلها الشهيد ، الطيب الذكر دكتور صباح الدرة ممثل أتحاد الشبية الديمقراطي العراقي لدى اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي (وفدي ) ، أتباها بها أمام رفاقي اﻷجانب.
كانت تصلني الى أمكان يحضر وصول الفكر الوطني التقدمي العراقي إليها ، كصنعاء . كما أنها لم تغب عني طلعتها في ليبيا ومؤخرا في المجر . كانت المعين الذي لاينضب في مَدي بالعزم ، وإتقان مهنتي في العمل أينما حللت ، فلم أجد صعوبة في منافسة زملائي في مستشفيات البلدان التي عملت بها ، بدليل كنت دائما أعين في مراكز صحية بالقرى ، ولكن بعد فترة وجيزة أنقل الى مستشفيات جامعية دون خروج والعودة بعقد جديد ، كما حصل في ليبيا ومؤخرا في المجر.
عند قرب تقاعدي النهائي في أواخر 2012 بدأت أفكر كيف أقضي الفراغ الذي سيخلقه زمن التقاعد وأنا في البيت .بدون شغلة وعملة ، مفكرا به من أنه سيكون وراء أشكالات ومماحكات داخل العائلة ، كما أشاهد وأسمع عند العوائل المغتربة ، وبصورة خاصة العراقية . لم تنفع مساهماتي في ترتيب شؤون البيت ، ولا حتى التنافس مع زوجتي في العناية بحديقة البيت المقسمة بين الزهور واﻷشجار المثمرة ، وإتباع إرشاداتها الزراعية في الحرث والتقليم ، التي تعطيها لغيري أيضا وكأنها مرشد زراعي ، وليس مايكروبيولوجية ، في قتل الفراغ الممل جراء التقاعد.
حلت بفكري وبتشجيع منها فكرة الكتابة بالعربية ، التي لم أمارسها لعقود ، فكتبت مقالة عرضتها عليها فشجعتني ، بينما إحتج أحد اﻷصدقاء ، قائلا ما هذا طالب ابتدائي يكتب أحسن منك ، لكن أصراري تواصل ، بعد فشلي في إرسال ما أعثرت عليه من كتب ، في مكتبة الطيب الذكر الراحل جبران الياسري لذويه في العراق ،، تعود لمكتبة والده أبو كاطع ، ( قال لي جبران قبل رحيله أن أغلب كتبها إستولى عليها الدكتور عبد الحسين شعبان) ، وبالقراءة تكونت قاعدة معرفية بإسلوب الكتابة ، وبدأت أكتبت مواضيع للجريدة ، تعاد لي بعد تصحيحها من قبل مجهولين في صحافة الحزب ، ﻹعادة كتابتها بعد التعرف على اﻷخطاء اﻹملائية والنحوية ، وكم كانت فرحتي عندما أراها منشورة في الموقع أو الجريدة ، وهكذا توالت المقالات ومعها بدأت تضمحل اﻷخطاء رويدا رويدا . ولكنها لازلت تلازم الكتابة . ألم يكن هذا إنجاز رائع سجله الرفاق المجهولون في موقع الحزب وجريدة طريق الشعب.
لقد إشتغلت بجانب التقاعد مدة سبع سنوات في معاهد صحية بنصف دوام، وفر لي وقت خوض تجربة الكتابة بالمواضيع الطبية التي كنت أتفاخر بها أمام زملائي اﻷطباء عند نشرها ، وبذلك تحولت إهتماماتي كليا للقراءة والكتابة ، مكونا مكتبة عربية بجانب المكتبة الطبية ، التي تكونت بفضل ما كانت تزودني به ابنتي من كتب عربية وإنجليزية ، وإبني الكثير السفر للدول العربية لما يفرضه تخصصه.
بعد سقوط الصنم ، تعود طريق الشعب بحلتها العلنية ، ليستلهم منها محبو الوطن واﻹخلاص للشعب الدراية بما يحل بالوطن من أوقات عصيبة . فما تنشره ، يضع أمام المسؤولين والجماهير طرق محاربة الفساد ، والتصدي للإرهاب ، داعية لشحذ الهمم من أجل وضع بلدنا في مساره الصحيح الذي يتطلبه التغييرالحقيقي لتحقيق احلامنا ، بالدولة المدنية ، التي تأتينا بالسلم والعدالة اﻷجتماعية التي واصل غيابها نهج المحاصصة الطائفية واﻹثنية المقيت
الف تحية لمن سهر على مواصلة إصدارها ولمن ترك بصماته في سجل تاريخها النضالي من الذين غيبتهم الحكومات الرجعية والدكتاتورية ، وللساهرين على اﻹحتفاظ بنهجها الوطني في الوطن والخارج ، مع أطيب التحيات والتمنيات الصادقة للعاملات والعاملين فيها ، مع تمنياتي بالمزيد من النجاحات في تطويرها عملها اللاحق ، وهي موشاة بحلة مهرجانها السنوي الرابع.